للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثير. ونافع سَنُقَتِّلُ بالتخفيف والتضعيف كما في موتت الإبل.

وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ أي غالبون كما كنا لم يتغير حالنا وهم مقهورون تحت أيدينا، وكان فرعون قد انقطع طمعه عن قتل موسى عليه السلام فلم يعد الملأ بقتله لما رأى من علو أمره وعظم شأنه وكأنه لذلك لم يعد بقتل قومه أيضا، والظاهر على ما قيل: إن هذا من فرعون بيان لأنهم لا يقدرون على أن يفسدوا في الأرض وإيذان بعدم المبالاة بهم وأن أمرهم فيما بعد كأمرهم فيما قبل وأن قتلهم عبث لا ثمرة فيه، وذكر الطيبي أنه من الأسلوب الحكيم وإن صدر من الأحمق، وأن الجملة الاسمية كالتذييل لما قبلها فافهم.

قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ تسلية لهم حين تضجروا مما سمعوا بأسلوب حكيم اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا على ما سمعتم من الأقاويل الباطلة إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ أي أرض مصر أو الأرض مطلقا وهي داخلة فيها دخولا أوليا يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ الذين أنتم منهم، وحاصله أنه ليس الأمر كما قال فرعون: إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ فإن القهر والغلبة لمن صبر واستعان بالله ولمن وعده الله تعالى توريث الأرض وأنا ذلكم الموعود الذي وعدكم الله تعالى النصرة به وقهر الأعداء وتوريث أرضهم، وقوله: «والعاقبة» إلخ تقرير لما سبق.

وقرأ أبيّ وابن مسعود «والعاقبة» بالنصب عطفا على اسم أن قالُوا أي قوم موسى له عليه السلام أُوذِينا من جهة فرعون مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا بالرسالة يعنون بذلك قتل الجبار أولادهم قبل مولده وبعده إذ قيل له: يولد لبني إسرائيل غلام يسلبك ملكك ويكون هلاكك على يديه وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا أي رسولا يعنون به ما توعدهم به من إعادة قتل الأبناء وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليه السلام من فنون الجور والعذاب، وقيل: إن نفس ذلك الإيعاد إيذاء، وقيل: جعل إيعاده بمنزلة فعله لكونه جبارا.

وقيل: أرادوا الإيذاء بقتل الأبناء قبل مولد موسى عليه السلام وبعد مولده، وقيل: المراد ما كانوا يستعبدون به ويمتهنون فيه من أنواع الخدم والمهن، وتعقب بأن ذلك ليس مما يلحقهم بواسطة موسى عليه السلام فليس لذكره كثير ملاءمة بالمقام، والظاهر أنه لا فرق بين الإتيان والمجيء وأن الجمع بينهما للتفنن والبعد عن التكرار اللفظي فإن الطباع مجبولة على معاداة المعادات، ولذلك جيء بأن المصدرية أولا وبما أختها ثانيا.

وذكر الجلال السيوطي في الفرق بينهما أن الإتيان يستعمل في المعاني والأزمان والمجيء في الجواهر والأعيان وهو غير ظاهر هنا إلا أن يتكلف، ونقل عن الراغب في الفرق بينهما أن الإتيان هو المجيء بسهولة فهو أخص من مطلق المجيء وهو كسابقه هنا أيضا، وهذا منهم جار مجرى التحزن لعدم الاكتفاء بما كنى لهم عليه السلام لفرط ما عراهم وفظاعة ما اعتراهم، والمقام يقتضي الإطناب فإن شأن الحزين الشاكي إطالة الكلام رجاء أن يطفىء بذلك بعض الأوام، وقيل: هو استبطاء منهم لما وعدهم عليه السلام من النجاة والظفر والأول أولى فقوله تعالى: قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ الذي فعل بكم ما فعل وتوعدكم بما توعد.

وَيَسْتَخْلِفَكُمْ أي يجعلكم خلفاء فِي الْأَرْضِ أي أرض مصر تصريح بما كنى عنه وتوكيد للتسلية على أبلغ وجه، وفيه ادماج معنى من عادى أولياء الله تعالى فقد بارزه بالمحاربة وحق له الدمار والخسار. وعسى في مثله قطع في إنجاز الموعود والفوز بالمطلوب، ونص غير واحد على أن التعبير به للجري على سنن الكرماء.

وقيل: تأدبا مع الله تعالى وإن كان الأمر مجزوما به بوحي وإعلام منه سبحانه وتعالى، وقيل: إن ذلك لعدم الجزم منه عليه السلام بأنهم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم، فقد روي أن مصر إنما فتحت في زمن داود عليه السلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>