الخاصة انكشاف هويته تعالى على وجه جزئي بحيث لا يمكن عند العقل صدقه على كثيرين كما في المرئي بحاسة البصر، ولا شك في كونه ممكنا في حقه تعالى لأنه قادر على أن يخلق في العبد علما ضروريا بهويته الخاصة على الوجه الجزئي بدون استعمال الباصرة كما يخلق بعده، وفي عدم لزومه الخطاب فإنه إنما يقتضي العلم بالمخاطب بأمور كلية يمكن صدقها على كثيرين عند العقل وإن كانت في الخارج منحصرة في شخص واحد فهو من قبيل التعقل، وبهذا التحرير يعلم رصانة الإيراد ودفع ما أورد عليه، ويظهر منه ركاكة ما قاله الآمدي. من أن حمل الرؤية على العلم يلزم منه أن يكون موسى عليه السلام غير عالم بربه لئلا يلزم تحصيل الحاصل، ونسبة ذلك إلى الكليم من أعظم الجهالات لأنا نقول العلم بالهوية الخاصة على ما ذكرنا ليس من ضروريات النبوة ولا المكالمة كما لا يخفى. نعم يأبى هذا الحمل التعدية كما علمت ويبعده الجواب بلن تراني ولكن انظر إلخ كما هو ظاهر وإن تكلف له الزمخشري بما تمجه الأسماع.
وقيل: إنه لو ساغ هذا التأويل لساغ مثله في أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء: ١٥٣] لتساوي الدلالة وهو ممتنع بالإجماع وجهرة لا يزيد على كون النظر موصولا بإلى. وأجيب عن قولهم: إنما سأله أن يريه علما من أعلام الساعة بأنه لا يستقيم لثلاثة أوجه.
أحدها أنه خلاف الظاهر من غير دليل. ثانيها أنه أجيب بلن تراني وهو إن كان محمولا على نفي ما وقع السؤال عنه من رؤية بعض الآيات فهو خلف فإنه قد أراه سبحانه أعظم الآيات وهو تدكدك الجبل، وإن كان محمولا على نفي الرؤية لزم أن لا يكون الجواب مطابقا للسؤال. ثالثها أن قوله سبحانه: فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي إن كان محمولا على رؤية الآية فهو محال لأن الآية ليس في استقرار الجبل بل في تدكدكه، وإن كان محمولا على الرؤية لا يكون مرتبطا بالسؤال، فإذن لا ينبغي حمل ما في الآية على رؤية الآية، وعن قولهم: إن الرؤية وقعت لدفع قومه بأن ذلك خلاف الظاهر من غير دليل، وكون الدليل أخذ الصعقة ليس بشيء. وأيضا كان يجب عليه عليه السلام أن يبادر إلى ردعهم وزجرهم عن طلب ما لا يليق بجلال الله تعالى كما قال إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ عند قولهم: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ وقولهم: إن المقصود ضم الدليل السمعي إلى العقلي ليس بشيء إذ ذلك كان يمكن بطلب إظهار الدليل السمعي له من غير أن يطلب الرؤية مع إحالتها، وقصته تقدم الكلام فيها، وما ذكروه في الوجه الخامس ظاهر رده من تقرير الوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرهما أهل السنة، وحاصله أنه يلزمهم أن يكون الكليم عليه السلام دون آحاد المعتزلة علما ودون من حصل طرفا من الكلام في معرفة ما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز، وهذه كلمة حمقاء وطريقة عوجاء لا يسلكها أحد من العقلاء، فإن كون الأنبياء عليهم السلام أعلم ممن عداهم بذاته تعالى وصفاته العلا مما لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان، وكون الرؤية في الدنيا غير واقعة عند الفريقين إن أريد به أنها غير ممكنة الوقوع فهو أول المسألة وإن أريد أنها ممكنة لكنها لا تقع لأحد فلا نسلم أنه أجمع على ذلك الفريقان، أما المعتزلة فلأنهم لا يقولون بإمكانها، وأما أهل السنة فلأن كثيرا منهم ذهب إلى أنها وقعت لنبينا صلّى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء، وهو قول ابن عباس. وأنس وغيرهما، وقول عائشة رضي الله تعالى عنها: من زعم أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء، وهو قول ابن عباس. وأنس وغيرهما، وقول عائشة رضي الله تعالى عنها: من زعم أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم رأى ربه فقد أعظم على الله سبحانه الفرية مدفوع أو مؤول بأن المراد من زعم أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم في نوره الذي هو نوره أعني النور الشعشعاني الذي يذهب بالأبصار، وهو المشار إليه
في حديث «لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره»
فقد أعظم الفرية، ومن هذا يعلم ما في احتمال إرادة عدم الوقوع مع قطع النظر عن الإمكان وعدمه. وقولهم: إنه يجوز أن لا يكون ذلك الطلب محرما في شرعه فلا يمتنع يرد عليه أن دليل الحرمة ظاهر، فإن طلب المحال لو لم يكن حراما في شرعه عليه السلام لما بلغ في التشنيع على قومه حين طلبوا ما طلبوا على أنا لو سلمنا أنه ليس بحرام يقال: إنه لا فائدة فيه وما