على فساد قول أبي هاشم أن تارك الواجب يستحق العقاب وإن لم يصدر عنه فعل الضد لأنها دلت على أنه لا جزاء إلا على عمل وترك الواجب ليس به.
وأجاب أبو هاشم بأني لا أسمي ذلك العقاب جزاء، ورد بأن الجزاء ما يجزي أي يكفي في المنع عن المنهي عنه والحث على المأمور به والعقاب على ترك الواجب كاف في الزجر عن ذلك الترك فكان جزاء.
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد ذهابه إلى الجبل لمناجاة ربه سبحانه مِنْ حُلِيِّهِمْ جمع حلي كثدي وثدي وهو ما يتخذ للزينة ويتحلى به من الذهب والفضة، والجار والمجرور متعلق باتخذ كمن بعده من قبله ولا ضير في ذلك لاختلاف معنى الجارين فإن الأول للابتداء والثاني للتبعيض، وقيل: للابتداء أيضا، وتعلقه بالفعل بعد تعلق الأول به واعتباره معه، وقيل: الجار الثاني متعلق بمحذوف وقع حالا مما بعده إذ لو تأخر لكان صفة له، وإضافة الحلي إلى ضمير القوم لأدنى ملابسة لأنها كانت للقبط فاستعاروها منهم قبيل الغرق فبقيت في أيديهم وقيل: إنها على ما يتبادر منها بناء على أن القوم ملكوها بعد أن ألقاها البحر على الساحل بعد غرق القبط أو بعد أن استعاروها منهم وهلكوا. قال الإمام: روي أنه تعالى لما أراد إغراق فرعون وقومه لعلمه أنه لا يؤمن أحد منهم أمر موسى عليه السلام بني إسرائيل أن يستعيروا حلي القبط ليخرجوا خلفهم لأجل المال أو لتبقى أموالهم في أيديهم.
واستشكل ذلك بكونه أمرا بأخذ مال الغير بغير حق، وإنما يكون غنيمة بعد الهلاك مع أن الغنائم لم تكن حلالا لهم
لقوله صلّى الله عليه وسلّم:«أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي أحلت لي الغنائم» الحديث
على أن ما نقل عن القوم في سورة [طه: ٨٧] من قولهم: حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ يقتضي عدم الحل أيضا.
وأجيب بأن ذلك أن تقول: إنهم لما استعبدوهم بغير حق واستخدموهم وأخذوا أموالهم وقتلوا أولادهم ملكهم الله تعالى أرضهم وما فيها، فالأرض لله تعالى يورثها من يشاء من عباده، وكان ذلك بوحي من الله تعالى لا على طريق الغنيمة، ويكون ذلك على خلاف القياس وكم في الشرائع مثله، والقول المحكي سيأتي إن شاء الله تعالى ما فيه، وهذه الجملة كما قال الطيبي عطف على قوله سبحانه: وَواعَدْنا مُوسى عطف قصة على قصة.
وقرأ حمزة والكسائي «حليهم» بكسر الحاء اتباعا لكسر اللام كدلي وبعض «حليهم» على الافراد وقوله سبحانه:
عِجْلًا مفعول اتخذ بمعنى صاغ وعمل، أخر عن المجرور لما مر آنفا، وقيل: إن اتخذ متعد إلى اثنين وهو بمعنى صير والمفعول الثاني محذوف أي إلها، والعجل ولد البقر خاصة وهذا كما يقال لولد الناقة حوار ولولد الفرس مهر ولولد الحمار جحش ولولد الشاة حمل ولولد العنز جدي ولولد الأسد شبل ولولد الفيل دغفل ولولد الكلب جرو ولولد الظبي خشف ولولد الاروية غفر ولولد الضبع فرغل ولولد الدب ديسم ولولد الخنزير خنوص ولولد الحية حربش ولولد النعام رأل ولولد الدجاجة فروج ولولد الفأر درص ولولد الضب حسل إلى غير، والمراد هنا ما هو على صورة العجل.
وقوله تعالى: جَسَداً بدل من عجلا أو عطف بيان أو نعت له بتأويل متجسدا، وفسر ببدن ذي لحم ودم، قال الراغب: الجسد كالجسم لكنه أخص منه، وقيل: إنه يقال لغير الإنسان من خلق الأرض ونحوه، ويقال أيضا لما له لون والجسم لما لا يبين له لون كالهواء، ومن هنا على ما قيل قيل للزعفران الجساد ولما أشبع صبغه من الثياب مجسد، وجاء المجسد أيضا بمعنى الأحمر، وبعض فسر الجسد به هنا فقال: أي أحمر من ذهب لَهُ خُوارٌ هو صوت البقر خاصة كالثغاء للغنم واليعار للمعز والنبيب للتيس والنباح للكلب والزئير للأسد والعواء والوعوعة للذئب والضباح للثعلب والقباع للخنزير والمواء للهرة، والنهيق والسحيل للحمار والصهيل والضبح والقنع والحمحمة للفرس والرغاء للناقة والصنى للفيل والبتغم للظبي والضغيب للأرنب والعرار للظليم والصرصرة للبازي والعقعقة للصقر والصفير