للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليد ولا لطف للاستعارة التصريحية فيه، وقال الواحدي: إنه يقال لما يحصل وإن لم يكن في اليد وقع في يده وحصل في يده مكروه فيشبه ما يحصل في النفس وفي القلب بما يرى بالعين، وخصت اليد لأن مباشرة الأمور بها كقوله تعالى:

ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ [الحج: ١٠] أو لأن الندم يظهر أثره بعد حصوله في القلب في اليد لعضها والضرب بها على أختها ونحو ذلك فقد قال سبحانه في النادم: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ [الكهف: ٤٢] وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ [الفرقان:

٢٧] ، وقيل: من عادة النادم أن يطأطىء رأسه ويضع ذقنه على يده بحيث لو أزالها سقط على وجهه فكأن اليد مسقوط فيها، وفِي بمعنى على، وقيل: هو من السقاط وهو كثرة الخطأ، وقيل: من السقيط وهو ما يغشى الأرض بالغدوات شبه الثلج لا ثبات له، فهو مثل لمن خسر في عاقبته ولم يحصل على طائل من سعيه، وعد بعضهم سقط من الأفعال التي لا تتصرف كنعم وبئس.

وقرأ ابن أبي عبلة «أسقط» على أنه رباعي مجهول وهي لغة نقلها الفراء والزجاج، وذكر بعضهم أن هذا التركيب لم يسمع قبل نزول القرآن، ولم تعرفه العرب، ولم يوجد في أشعارهم وكلامهم فلذا خفي على الكثير وأخطؤوا في استعماله كأبي حاتم وأبي نواس، وهو العالم النحرير ولم يعلموا ذلك ولو علموه لسقط في أيديهم وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا

أي تبينوا ضلالهم باتخاذ العجل وعبادته تبينا كأنهم قد أبصروه بعيونهم قيل: وتقديم ذكر ندمهم على هذه الرؤية مع كونه متأخرا عنها للمسارعة إلى بيانه والإشعار بغاية سرعته كأنه سابق على الرؤية.

وقال القطب في بيان تأخر تبين الضلال عن الندم مع كونه سابقا عليه: إن الانتقال من الجزم بالشيء إلى تبين الجزم بالنقيض لا يكون دفعيا في الأغلب بل إلى الشك ثم الظن بالنقيض ثم الجزم به ثم تبينه، والقوم كانوا جازمين بأن ما هم عليه صواب والندم عليه ربما وقع لهم في حال الشك فيه فقد تأخر تبين الضلال عنه انتهى، فافهم ولا تغفل قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا بإنزال التوبة المكفرة وَيَغْفِرْ لَنا بالتجاوز عن خطيئتنا، وتقديم الرحمة على المغفرة مع أن التخلية حقها أن تقدم على التحلية قيل: إما للمسارعة إلى ما هو المقصود الأصلي وإما لأن المراد بالرحمة مطلق إرادة الخير بهم وهو مبدأ لإنزال التوبة المكفرة لذنوبهم، واللام في لَئِنْ موطئة للقسم أي والله لئن إلخ، وفي قوله سبحانه: لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ لجواب القسم كما هو المشهور.

وقرأ حمزة والكسائي «ترحمنا وتغفر لنا» بالتاء الفوقية و «ربنا» بالنصب على النداء، وما حكي عنهم من الندامة والرؤية والقول كان بعد رجوع موسى عليه السلام من الميقات كما ينطق به ما سيأتي إن شاء الله تعالى في طه، وقدم ليتصل ما قالوه بما فعلوه وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ مما حدث منهم أَسِفاً أي شديد الغضب كما قال أبو الدرداء ومحمد القرظي وعطاء والزجاج أو حزينا على ما روي عن ابن عباس والحسن وقتادة رضي الله تعالى عنهم، وقال أبو مسلم: الغضب والأسف بمعنى والتكرير للتأكيد.

وقال الواحدي: هما متقاربان فإذا جاءك ما تكره ممن هو دونك غضبت وإذا جاءك ممن فوقك حزنت، فعلى هذا كان موسى عليه السلام غضبان على قومه باتخاذهم العجل حزينا لأن الله تعالى فتنهم، وقد أخبره سبحانه بذلك قبل رجوعه، ونصب الوصفين على أنهما حالان مترادفان أو متداخلان بأن يكون الثاني حالا من الضمير المستتر في الأول، وجوّز أبو البقاء أن يكون بدلا من الحال الأولى وهو بدل كل لا بعض كما توهم.

قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي خطاب إما لعبدة العجل وإما لهارون عليه السلام ومن معه من المؤمنين أي بئسما فعلتم بعد غيبتي حيث عبدتم العجل بعد ما رأيتم مني من توحيد الله تعالى ونفي الشركاء عنه سبحانه واخلاص العبادة له جل جلاله، أو بئسما قمتم مقامي حيث لم تراعوا عهدي ولم تكفوا العبدة عما فعلوا بعد ما رأيتم مني من

<<  <  ج: ص:  >  >>