وقرأ الباقون بالفتح زيادة في التخفيف أو تشبيها بخمسة عشر إِنَّ الْقَوْمَ الذين فعلوا ما فعلوا اسْتَضْعَفُونِي أي استذلوني وقهروني ولم يبالوا بي لقلة أنصاري وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي وقاربوا قتلي حين نهيتهم عن ذلك والمراد أني بذلت وسعي في كفهم ولم آل جهدا في منعهم فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ أي فلا تفعل ما يشمتون بي لأجله فإنهم لا يعلمون سر فعلك، والشماتة سرور العدو بما يصيب المرء من مكروه.
وقرىء «فلا تشمت بي الأعداء» بفتح حرف المضارعة وضم الميم ورفع الأعداء- حطهم الله تعالى- وهو كناية عن ذلك المعنى أيضا على حد لا أرينك هاهنا. والمراد من الأعداء القوم المذكورون إلا أنه أقيم الظاهر مقام ضميرهم ولا يخفى سره وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي لا تجعلني معدودا في عدادهم ولا تسلك بي سلوكهم بهم في المعاتبة، أو لا تعتقدني واحدا من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم، فالجعل مثله في قوله تعالى:
وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزخرف: ١٩] قالَ استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية الاعتذار كأنه قيل فماذا قال موسى عليه السلام عند اعتذار أخيه؟ فقيل: قال رَبِّ اغْفِرْ لِي ما فعلت بأخي قبل جلية الحال وحسنات الأبرار سيئات المقربين وَلِأَخِي إن كان اتصف بما يعد ذنبا بالنسبة إليه في أمر أولئك الظالمين، وفي هذا الضم ترضية له عليه السلام ورفع للشماتة عنه، والقول بأنه عليه السلام استغفر لنفسه ليرضى أخاه ويظهر للشامتين رضاه لئلا تتم شماتتهم به ولأخيه للايذان بأنه محتاج إلى الاستغفار حيث كان يجب عليه أن يقاتلهم لي فيه توقف لا يخفى وجهه. وَأَدْخِلْنا جميعا.
فِي رَحْمَتِكَ الواسعة بمزيد الإنعام علينا، وهذا ما يقتضيه المقابلة بالمغفرة، والعدول عن ارحمنا إلى ما ذكر وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فلا غرو في انتظامنا في سلك رحمتك الواسعة في الدنيا والآخرة، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله، وادعى بعضهم أن فيه إشارة إلى أنه سبحانه استجاب دعاءه وفيه خفاء إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ أي بقوا على اتخاذه واستمروا عليه كالسامري وأشياعه كما يفصح عنه كون الموصول الثاني عبارة عن التائبين فإن ذلك صريح في أن الموصول الأول عبارة عن المصرين سَيَنالُهُمْ أي سيلحقهم ويصيبهم في الآخرة جزاء ذلك غَضَبٌ عظيم لا يقادر قدره مستتبع لفنون العقوبات لعظم جريمتهم وقبح جريرتهم مِنْ رَبِّهِمْ أي مالكهم، والجار والمجرور متعلق بينالهم، أو بمحذوف وقع نعتا لغضب مؤكدا لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي كائن من ربهم وَذِلَّةٌ عظيمة فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وهي على ما أقول: الذلة التي عرتهم عند تحريق إلههم ونسفه في اليم نسفا مع عدم القدرة على دفع ذلك عنه، وقيل: هي ذلة الاغتراب التي تضرب بها الأمثال والمسكنة المنتظمة لهم ولأولادهم جميعا، والذلة التي اختص بها السامري من الانفراد عن الناس والابتلاء بلا مساس، وروي أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك وإذا مس أحدهم أحد غيرهم حمّا جميعا في الوقت، ولعل ما ذكرناه أولى والرواية لم نر لها أثرا، وإيراد ما نالهم بالسين للتغليب، وقيل: وإليه يشير كلام أبي العالية المراد بهم التائبون، وبالغضب ما أمروا به من قتل أنفسهم، وبالذلة إسلامهم أنفسهم لذلك واعترافهم بالضلال، واعتذر عن السين بأن ذلك حكاية عما أخبر الله تعالى به موسى عليه السلام حين أخبره بافتتان قومه واتخاذهم العجل فإنه قال له: سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ إلخ فيكون سابقا على الغضب، وجعل الكلام جواب سؤال مقدر وذلك أنه تعالى لما بين أن القوم ندموا على عبادتهم العجل بقوله سبحانه: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا والندم توبة ولذلك عقبوه بقولهم: لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا وذكر عتاب موسى لأخيه عليهما السلام ثم استغفاره اتجه لسائل أن يقول: يا رب إلى ماذا يصير أمر القوم وتوبتهم واستغفار نبي الله تعالى وهل قبل الله تعالى توبتهم؟ فأجاب إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ