تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ استئناف مبين لحكم الفتنة، وقيل: حال من المضاف إليه أو المضاف أي تضل بسببها من تشاء إضلاله بالتجاوز عن الحد أو باتباع المخايل أو بنحو ذلك وتهدي من تشاء هداه فيقوى بها إيمانه، وقيل: المعنى تصيب بهذه الرجفة من تشاء وتصرفها عمن تشاء، وقيل: تضل بترك الصبر على فتنتك وترك الرضا بها من تشاء عن نيل ثوابك ودخول جنتك وتهدي بالرضا لها والصبر عليها من تشاء وهو كما ترى أَنْتَ وَلِيُّنا أي أنت القائم بأمورنا الدنيوية والأخروية لا غيرك فَاغْفِرْ لَنا ما يترتب عليه مؤاخذتك وَارْحَمْنا بإفاضة آثار الرحمة الدنيوية والأخروية علينا. والفاء لترتيب الدعاء على ما قبله من الولاية لأن من شأن من يلي الأمور ويقوم بها دفع الضر وجلب النفع، وقدم طلب المغفرة على طلب الرحمة لأن التخلية أهم من التحلية، وسؤال المغفرة لنفسه عليه السلام في ضمن سؤالها لمن سألها له مما لا ضير فيه وإن لم يصدر منه نحو ما صدر منه كما لا يخفى، والقول بأن إقدامه عليه السلام على أن يقول: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ جرأة عظيمة فطلب من الله تعالى غفرانها والتجاوز عنها مما يأباه السوق عند أرباب الذوق، ولا أظن أن الله تعالى عدد ذلك ذنبا منه ليستغفره عنه، وفي ندائه السابق ما يؤيد ذلك وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ إذ كل غافر سواك إنما يغفر لغرض نفساني كحب الثناء ودفع الضرر وأنت تغفر لا لطلب عوض ولا غرض بل لمحض الفضل والكرم، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لما قبل، وتخصيص المغفرة بالذكر لأنها الأهم.
وفسر بعضهم ما ذكر بغفران السيئة وتبديلها بالحسنة ليكون تذييلا لاغفر وارحم معا وَاكْتُبْ لَنا أي أثبت واقسم لنا فِي هذِهِ الدُّنْيا التي عرانا فيها ما عرانا حَسَنَةً حياة طيبة وتوفيقا للطاعة.
وقيل: ثناء جميلا وليس بجميل، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد اقبل وفادتنا وردنا بالمغفرة والرحمة وَفِي الْآخِرَةِ أي واكتب لنا أيضا في الآخرة حسنة وهي المثوبة الحسنى والجنة.
قيل: إن هذا كالتأكيد لقوله: اغفر وارحم إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ أي تبنا إليك من هاد يهود إذا رجع وتاب كما قال:
إني امرؤ مما جنيت هائد ومن كلام بعضهم:
يا راكب الذنب هدهد ... واسجد كأنك هدهد
وقيل: معناه مال، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «هدنا» بكسر الهاء من هاد يهيد إذا حرك، وأخرج ابن المنذر. وغيره عن أبي وجرة السعدي أنه أنكر الضم وقال: والله لا أعلمه في كلام أحد من العرب وإنما هو هدنا بالكسر أي ملنا وهو محجوج بالتواتر، وجوز على هذه القراءة أن يكون الفعل مبنيا للفاعل والمفعول بمعنى حركنا أنفسنا أو حركنا غيرنا، وكذا على قراءة الجماعة، والبناء للمفعول عليها على لغة من يقول: عود المريض، ولا بأس بذلك إذا كان الهود بمعنى الميل سوى أن تلك لغة ضعيفة، وممن جوز الأمرين على القراءتين الزمخشري. وتعقبه السمين بأنه متى حصل الالتباس وجب أن يؤتى بحركة تزيله فيقال: عقت إذا عاقك غيرك بالكسر فقط أو الإشمام إلا أن سيبويه جوز في نحو قيل الأوجه الثلاثة من غير احتراز، والجملة تعليل لطلب المغفرة والرحمة، وتصديرها بحرف التحقيق لإظهار كمال النشاط والرغبة في مضمونها قالَ استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال الله تعالى له بعد دعائه؟ فقيل: قال عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ أي شأني أصيب بعذابي من أشاء تعذيبه من غير دخل لغيري فيه.
وقرأ الحسن وعمرو الأسود «من أساء» بالسين المهملة ونسبت إلى زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وأنكر بعضهم صحتها وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أي شأنها أنها واسعة تبلغ كل شيء ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في الدنيا بنعمتي، وفي نسبة الإصابة إلى العذاب بصيغة المضارع ونسبة السعة إلى الرحمة