يوم السبت بترك العمل والتفرغ للعبادة فيه، وقيل: اسم لليوم والإضافة لاختصاصهم بأحكام فيه، ويؤيد الأول قراءة عمرو بن عبد العزيز «يوم اسباتهم» ، وكذا النفي الآتي شُرَّعاً أي ظاهرة على وجه الماء كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قريبة من الساحل، وهو جمع شارع من شرع عليه إذا دنا وأشرف، وفي الشرع معنى الإظهار والتبيين، وقيل: حيتان شرع رافعة رؤوسها كأنه جعل ذلك إظهارا وتبيينا، وقيل: المعنى متتابعة ونسب إلى الضحاك، والظاهر أنها ظاهرة وهو نصب على الحال من الحيتان ووَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ أي لا يراعون أمر السبت وهو على حد قوله:
«على لاحب لا يهتدى بمناره» إذ المقصود انتفاء السبت والمراعاة
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه لا يَسْبِتُونَ
بضم حرف المضارعة من أسبت إذا دخل في السبت كأصبح إذا دخل في الصباح، وعن الحسن أنه قرأ لا يسبتون على البناء للمفعول بمعنى لا يدخلون في السبت ولا يؤمرون فيه بما أمروا به يوم السبت، وقرىء «لا يسبتون» بضم الباء والظرف متعلق بقوله سبحانه: لا تَأْتِيهِمْ أي لا تأتيهم يوم لا يسبتون كما كانت تأتيهم يوم السبت حذرا من صيدهم لاعتيادها أحوالهم وأن ذلك لمحض تقدير العزيز العليم، وتغيير السبك حيث قدم الظرف على الفعل ولم يعكس لما أن الإتيان يوم سبتهم مظنة كما قيل: لأن يقال فماذا حالها يوم لا يسبتون؟ فقيل: يوم لا يسبتون لا تأتيهم كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ أي نعاملهم معاملة المختبرين لهم ليظهر منهم ما يظهر فنؤاخذهم به، وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها والتعجيب منها، والإشارة اما إلى الابتلاء السابق أو إلى الابتلاء المذكور بعد كما مر غير مرة وقيل: الإشارة إلى الإتيان يوم السبت وهي متصلة بما قبل أي لا تأتيهم كذلك الإتيان يوم السبت، والكاف في موضع نصب على الحال عند الطبرسي، وجوز أن يكون متعلقا بمحذوف وقع صفة لمصدر مقدر أي اتيانا كائنا كذلك، وجملة نبلوهم استئناف مبني على السؤال عن حكمة اختلاف حال الحيتان بالإتيان تارة وعدمه أخرى بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أي بسبب فسقهم المستمر في كل ما يأتون ويذرون، وهو متعلق بما عنده، وتعلق إذ يعدون بنبلوهم وبما يبعدون على معنى نبلوهم وقت العدوان بالفسق مما لا ينبغي تخريج كتاب الله تعالى الجليل عليه وَإِذْ قالَتْ عطف على إذ يعدون مسوق لبيان تماديهم في العدوان وعدم انزجارهم عنه بعد العظات والإنذارات.
قال العلامتان الطيبي والتفتازاني: ولا يجوز أن يكون معطوفا على إذ تأتيهم وإن كان أقرب لفظا لأنه إما بدل أو ظرف فيلزم أن يدخل هؤلاء القائلون في حكم أهل العدوان وليس كذلك، وهذا على ما قيل على تقدير الظرفية ظاهر، وأما على تقدير الإبدال فلأن البدل أقرب إلى الاستقلال، واستظهر في بيان وجه ذلك أن زمان القول بعد زمان العدوان ومغاير له واعتبار كونه ممتدا كسنة مثلا يقع فيه ذلك كله تكلف من غير مقتض، والقول بأن العطف على ذاك يشعر أو يوهم أن القائلين من العادين في السبت لا من مطلق أهل القرية فيه ما فيه أُمَّةٌ مِنْهُمْ أي جماعة من صلحائهم الذين لم يألوا جهدا في عظتهم حين يئسوا من احتمال القبول لآخرين لم يقلعوا عن التذكير رجاء النفع والتأثير لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أي مستأصلهم بالكلية ومطهر وجه الأرض منهم أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً دون الاستئصال بالمرة، وقيل مهلكهم في الدنيا أو معذبهم في الآخرة لعدم إقلاعهم عما هم عليه من الفسق والترديد لمنع الخلو على هذا، وإيثار صيغة اسم الفاعل في الشقين للدلالة على تحقق كل من الإهلاك والتعذيب وتقررهما البتة كأنهما واقعان، وإنما قالوا ذلك مبالغة في أن الوعظ لا ينجع فيهم إذ المقصود لا تعظوا أو أتعظون فعدل عنه إلى السؤال عن السبب لاستغرابه لأن الأمر العجيب لا يدرى سببه أو سؤالا عن حكمة الوعظ ونفعه، وقيل: إن هذا تقاول وقع بين الصلحاء الواعظين كأنه قال بعضهم لبعض: لم نشتغل بما لا يفيد، ويحتمل على كلا القولين أن ذلك صدر من القائل