للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأولئك هم الأشقياء، وبعضا تجلى لهم الرب سبحانه فعرفوه وأجابوه وأولئك هم السعداء، وهذا عندي من البطلان بمكان، والذي ينبغي اعتقاده أنهم كلهم وجهلوا الجواب لرب الأرباب. نعم ذهب البعض إلى أن البعض أجاب كرها واستدلوا له ببعض الآثار السالفة، وذهب أهل هذا القول إلى أن أطفال المشركين في النار، ومن قال: إنهم في الجنة ذهب إلى أنهم أقروا عند أخذ الميثاق اختيارا فيدخلون الجنة بذلك الإقرار والله سبحانه أرحم الراحمين وإسناد القول في الآية على بعض الأقوال إلى ضمير الجمع إنما هو باعتبار وقوعه من البعض فإن وقوعه من الكل باطل بداهة، ومثل هذا واقع في الآيات كثيرا وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ أي ذلك التفصيل البليغ المستتبع للمنافع الجليلة نفصلها لا غير ذلك.

وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عما هم عليه من الإصرار على الباطل نفعل التفصيل المذكور، وقيل: المعنى ولعلهم يرجعون إلى الميثاق الأول فيذكرونه ويعملون بمقتضاه نفعل ذلك، وأيّا ما كان فالواو ابتدائية كالتي قبلها، وجوز أن تكون عاطفة على مقدر أي ليقفوا على ما فيها من المرغبات والزواجر، أو ليظهر الحق ولعلهم يرجعون، وقيل: إنها سيف خطيب.

هذا ومن باب الإشارة قالوا: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ أي عن أهل قرية الجسد وهم الروح والقلب والنفس الأمارة وتوابعها الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ أي مشرفة على شاطىء بحر البشرية إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ يتجاوزون حدود الله تعالى يوم يحرم عليهم تناول بعض الملاذ النفسانية والعادي من أولئك الأهل إنما هو النفس الأمارة فإنها في مواسم الطاعات والكف عن الشهوات كشهر رمضان مثلا حريصة على تناول ما نهيت عنه والمرء. حريص على ما منع إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ وهي الأمور التي نهوا عن تناولها يَوْمَ سَبْتِهِمْ الذي أمروا بتعظيمه شرعا قريبة المأخذ وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ بأن لا يتهيأ لهم ما يريدونه كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ نعاملهم معاملة من يختبرهم بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أي بسبب فسقهم المستمر طبعا.

قال بعضهم: ما كان ما قص الله تعالى إلا كحال الإسلاميين من أهل زماننا في اجتماع أنواع الحظوظ النفسانية من المطاعم والمشارب والملاهي والمناكح ظاهرة في الأسواق والمحافل في الأيام المعظمة كالأعياد والأوقات المباركة كأوقات زيارة مشاهد الصالحين المعلومة المشهورة بين الناس وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ وهي القلب وأتباعه للأمة الواعظة وهي الروح وأتباعها لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً وهم النفس الأمارة وقواها اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً على فعلهم قالُوا مَعْذِرَةً إلى ربكم أي نعظهم معذرة إليه تعالى وذلك أنا خلقنا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر فنريد أن نقضي ما علينا ليظهر أنا ما تغيرنا عن أوصافنا ولعلهم يتقون لأنهم قابلون لذلك بحسب الفطرة فلا نيأس من تقواهم فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ لغلبة الشقوة عليهم أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وهم الروح والقلب وأتباعهما فإنهم كلهم نهوا عن ذلك إلا أن بعضهم مل وبعضهم لم يمل وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ أي شديد وهو عذاب حرمان قبول الفيض بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أي بسبب تماديهم على الخروج عن الطاعة فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ أي أبوا أن يتركوا ذلك قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ أي جعلنا طباعهم كطباعهم وذلك فوق حرمان قبول الفيض وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ أي اقسم لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي قيامتهم مَنْ يَسُومُهُمْ وهو التجلي الجلالي سُوءَ الْعَذابِ وهو عذاب القهر وذل اتباع الشهوات وَقَطَّعْناهُمْ أي فرقنا بني إسرائيل الروح فِي الْأَرْضِ أي أرض البدن أُمَماً جماعات مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ أي الكاملون في الصلاح كالعقل وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ فيه كالقلب ومن جعل القلب أكمل من العقل عكس الأمر وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>