وعن الثاني أنه لا تناقض لأن المشهورة تثبت المثلية من بعض الوجوه وهذه تنفيها من كل الوجوه أو من وجه آخر فإن الأصنام جمادات مثلا والداعين ليسوا بها، وقيل: إنها إن المخففة من المثقلة وإنها على لغة من نصب بها الجزئين كقوله:
إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافا إن حراسنا أسدا
في رأى ولا يخفى، أن إعمال المخففة ونصب جزئيها كلاهما قليل ضعيف، ومن هنا إنهما مهملة وخبر المبتدأ محذوف وهو الناصب لعبادا و «أمثالكم» على القراءتين نعت لعباد عليهما أيضا، وقرىء «إنّ» بالتشديد و «عبادا» بالنصب على أنه حال من العائد المحذوف وأَمْثالُكُمْ بالرفع على أنه خبر أن، وقرىء به مرفوعا في قراءة التخفيف ونصب عِبادٌ وخرج ذلك على الحالية والخبرية أيضا فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ تحقيق لمضمون ما قبله بتعجيزهم وتبكيتهم أي فادعوهم في رفع ضر أو جلب نفع إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في زعمكم أنهم قادرون على ما أنتم عاجزون عنه، وقوله تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها إلخ تبكيت أثر مؤكد لما يفيده الأمر التعجيزي من عدم الاستجابة ببيان فقدان آلاتها بالكلية، وقيل: إنه على الاحتمال الأول في المماثلة كر على المثلية بالنقض لأنهم أدون منهم، وعبادة الشخص من هو مثله لا تليق فكيف من هو دونه، وعلى الاحتمال الثاني فيها عود على الفرض المبني عليه المثلية بالابطال، وعلى قراءة التخفيف وإرادة النفي تقرير لنفي المماثلة بإثبات القصور والنقصان، ووجه الإنكار إلى كل واحد من تلك الآلات الأربع على حدة تكريرا للتبكيت وتثنية للتقريع واشعارا بأن انتقاء كل واحدة منها بحيالها كاف في الدلالة على استحالة الاستجابة وليس المراد أن من لم يكن له هذه لا يستحق الألوهية وإنما يستحقها من كانت له ليلزم اما نفي استحقاق الله تبارك وتعالى لها أو اثبات ذلك له كما ذهب إليه بعض المجسمة واستبدل بالآية عليه بل مجرد اثبات العجز، ومن ذلك يعلم نفي الاستحقاق ووصفه الأرجل بالمشي بها للايذان بأن مدار الإنكار هو الوصف وإنما وجه إلى الأرجل لا إلى الوصف بأن يقال: أيمشون بأرجلهم لتحقيق أنها حيث لم يظهر منها ما يظهر من سائر الأرجل فهي ليست بأرجل في الحقيقة، وكذا الكلام فيما بعد من الجوارح الثلاثة الباقية، وكلمة أَمْ في قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها منقطعة وما فيها من الهمزة لما مر من التبكيت، وبل للاضراب المفيد للانتقال من فن منه بعد تمامه إلى آخر منه مما تقدم، والبطش الأخذ بقوة.
وقرأ أبو جعفر «يبطشون» بضم الطاء وهو لغة فيه، والمعنى بل ألهم أيد يأخذون بها ما يريدون أو يدفعون بها عنكم، وتأخير هذا عما قبله كما قال شيخ الإسلام لما أن المشي حالهم في أنفسهم والبطش حالهم بالنسبة إلى الغير، وأما تقديم ذلك على قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها مع أن الكل سواء في أنها من أحوالهم بالنسبة إلى الغير فلمراعاة المقابلة بين الأيدي والأرجل ولأن انتفاء المشي والبطش أظهر والتبكيت به أقوى، وأما تقديم الأعين على الآذان فلأنها أشهر منها وأظهر عينا وأثرا، وكون الإبصار بالعين والسماع بالأذن جار على الظاهر المتعارف. واستدل بالآية من قال: إن الله تعالى أودع في بعض الأشياء قوة بها تؤثر إذا أذن الله تعالى لها خلافا لمن قال: إن التأثير عندها لابها. وزعم أن ذلك القول قريب إلى الكفر وليس كما زعم بل هو الحق الحقيق بالقبول قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ أمر له صلّى الله عليه وسلّم بأن يناصبهم المحاجة ويكرر عليهم التبكيت بعد أن بين شركاءهم لا يقدرون على شيء أصلا، أي ادعوا شركاءكم واستعينوا بهم علي ثُمَّ كِيدُونِ جميعا أنتم وشركاؤكم وبالغوا في ترتيب ما تقدرون عليه من المكر والكيد فَلا تُنْظِرُونِ فلا تمهلوني ساعة بعد ترتيب مقدمات الكيد فإني لا أبالي بكم أصلا، وياء المتكلم في الفعلين مما لم يثبتوها خطا، وقرأ أبو عمرو وبإثبات ياء كيدون وصلا وحذفها وقفا، وهشام بإثباتها