وأخرج محمد عن داود بن قيس بن عجلان أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: ليت في فم الذي يقرأ خلف الإمام حجرا، وروي مثل ذلك عن سعد بن أبي وقاص،
وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه إلا أن فيه مقالا أنه قال: من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة،
وقال الشعبي: أدركت سبعين بدريا كلهم يمنعون المقتدي عن القراءة خلف الإمام، وقد ادعى بعض أصحابنا اجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، ولعل مراده بذلك إجماع كثير من كبارهم، وإلا ففيه نظر، وكون مراده الإجماع السكوتي ليس بشيء أيضا، وذهب قوم إلى أن المأموم يقرأ إذا أسر الإمام القراءة ولا يقرأ إذا جهر وهو قول عروة بن الزبير والقاسم بن محمد والزهري ومالك وابن المبارك وأحمد وإسحاق، وروي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه وحجتهم فيما قيل: إن الآية تدل على الأمر بالاستماع لقراءة القرآن والسنة تدل على وجوب القراءة خلف الإمام فحملنا مدلول الآية على صلاة الجهر ومدلول السنة على صلاة السر جمعا بين الدلائل، وقال آخرون: إنما يقرأ في السرية لأنه لا يقال له مستمع، واعترض بأنه وإن سلمنا أنه لا يقال له ذلك لكن لا نسلم أنه لا يقال له منصت مع علمه بالقراءة وبأنا لا نسلم دلالة السنة على وجوب القراءة خلف الإمام ودون إثبات ذلك خرط القتاد، على أن الجزم العمل بأقوى الدليلين، وليس مقتضى أقواهما إلا المنع، ومن هنا ضعف ما يروى عن محمد بن الحسن رحمه الله تعالى أنه يستحسن قراءة الفاتحة على سبيل الاحتياط مخالفا لما ذهب إليه الإمام وأبو يوسف من كراهة القراءة لما في ذلك من الوعيد، والحق أن قوله كقولهما، فقد قال في كتاب الآثار بعد ما أسند إلى علقمة بن قيس: إنه ما قرأ قط فيما يجهر به ولا فيما لا يجهر به، وبه نأخذ فلا نرى القراءة خلف الإمام في شيء من الصلاة يجهر فيه أو لا يجهر فيه، ولا ينبغي أن يقرأ خلفه في شيء منها، وذكر في موطئه نحو ذلك، وقال السرخسي تفسد صلاة القارئ خلف الإمام في قول عدة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومنهم فيما قيل سعد بن أبي وقاص، وفي رواية المزني عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه يقرأ في الجهرية والسرية، وفي رواية البويطي أنه يقرأ في السرية أم القرآن ويضم السورة في الأوليين ويقرأ في الجهرية أم القرآن فقط. والمشهور عند الشافعية أنه لا سورة للمأموم الذي يسمع الإمام في جهرية بل يستمع فإن بعد بأن لم يسمع أو سمع صوتا لا يميز حروفه أو كانت سرية قرأ في الأصح، وسبب النزول لم يكن القراءة في الصلاة بل أمر آخر. فقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت، وحاصلها النهي عن التكلم لا عن القراءة، ومن الناس من فسر القرآن بالخطبة، والأمر بالاستماع إما للوجوب أو الندب، وعندنا الإنصات في الخطبة فرض على تفصيل في المسألة، وأخرج غير واحد عن مجاهد رضي الله تعالى عنه أن الآية في الصلاة والخطبة يوم الجمعة، وفي كلام أصحابنا ما يدل على وجوب الاستماع في الجهر بالقرآن مطلقا.
قال في الخلاصة: رجل يكتب الفقه وبجنبه رجل يقرأ القرآن فلا يمكنه استماع القرآن فالاثم على القارئ، وعلى هذا لو قرأ على السطح في الليل جهرا والناس نيام يأثم، وهذا صريح في إطلاق الوجوب، وعلل ذلك بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإِذا هنا للكلية وغالب الشرطيات القرآنية المؤداة بها كلية، وهذا والمراد من الاستماع في الآية المعنى المتبادر منه، وقال الزجاج: المراد منه القبول والإجابة، وهو بهذا المعنى مجاز كما نص عليه في الأساس، ومنه سمع الله تعالى لمن حمده وسمع الأمير كلام فلان، ورجح ذلك العلامة الطيبي قال: وهذا أوفق لتأليف النظم الكريم سابقا ولا حقا وأجمع للمعاني والأقوال فإنه تعالى لما ذكر تعريضا أن المشركين إنما استهزؤوا بالقرآن ونبذوه وراءهم ظهريا لأنهم فقدوا البصائر وعدموا الهداية والرحمة وأن حالهم على خلاف المؤمنين أمر المؤمنين بما هو أزيد من مجرد الاستماع وهو قبوله والعمل بما فيه والتمسك به وأن لا يجاوزوه مرتبا للحكم على تلك