بها فلا يحملنكم حبها على الخيانة كأبي لبابة، ولعل الفتنة في المال أكثر منها في الولد ولذا قدمت الأموال على الأولاد، ولا يخفى ما في الأخبار من المبالغة.
وجاء عن ابن مسعود ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة لأن الله سبحانه يقول: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ
إلخ فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله تعالى من مضلات الفتن، ومثله عن علي كرم الله تعالى وجهه وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
لمن مال إليه سبحانه وآثر رضاه عليهما وراعى حدوده فيهما فأنيطوا هممكم بما يؤديكم إليه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ في كل ما تأتون وما تذرون يَجْعَلْ لَكُمْ بسبب ذلك الاتقاء فُرْقاناً أي هداية ونورا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل كما روي عن ابن جريج وابن زيد، أو نصرا يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين كما قال الفراء، أو نجاة في الدارين كما هو ظاهر كلام السدي، أم مخرجا من الشبهات كما جاء عن مقاتل، أو ظهورا يشهر أمركم وينشر صيتكم كما يشعر به كلام محمد بن إسحاق- من بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان- أي الصبح، وكل المعاني ترجع إلى الفرق بين أمرين، وجوز بعض المحققين الجمع بينها وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ أي يسترها في الدنيا وَيَغْفِرْ لَكُمْ بالتجاوز عنها في الأخرى فلا تكرار، وقد يقال: مفعول يغفر الذنوب وتفسر بالكبائر وتفسر السيئات بالصغائر، أو يقال: المراد ما تقدم وما تأخر لأن الآية في أهل بدر وقد غفر لهم.
ففي الخبر لعل الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ تعليل لما قبله وتنبيه على أن ما وعد لهم على التقوى تفضل منه سبحانه وإحسان وأنها بمعزل عن أن توجب عليه جل شأنه شيئا، قيل: ومن عظيم فضله تعالى أنه يتفضل من غير واسطة وبدون التماس عوض ولا غيره سبحانه، ثم إنه عز وجل لما ذكر من ذكر نعمته بقوله تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ إلخ ذكر نبيه عليه الصلاة والسلام النعمة الخاصة به بقوله عز من قائل: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا فهو متعلق بمحذوف وقع مفعولا لفعل محذوف معطوف على ما تقدم أو منصوب بالفعل المضمر المعطوف على ذلك، أي واذكر نعمته تعالى عليك إذ أو اذكر وقت مكرهم بك لِيُثْبِتُوكَ بالوثاق ويعضده قراءة ابن عباس «ليقيدوك» وإليه ذهب الحسن ومجاهد وقتادة أو بالاثخان بالجرح من قولهم: ضربه حتى أثبته لا حراك به ولا براح، وهو المروي عن ابن أبان وأبي حاتم والجبائي، وأنشد:
فقلت ويحكم ما في صحيفتكم ... قالوا الخليفة أمسى مثبتا وجعا
أو بالحبس في بيت كما روي عن عطاء والسدي وكل الأقوال ترجع إلى أصل واحد هو جعله صلّى الله عليه وسلّم ثابتا في مكانه أعم من أن يكون ذلك بالربط أو الحبس أو الإثخان بالجراح حتى لا يقدر على الحركة، ولا يرد أن الإثخان إن كان بدون قتل ذكر له فيما اشتهر من القصة وإن كان بالقتل يتكرر مع قوله تعالى: أَوْ يَقْتُلُوكَ لأنا نختار الأول، ولا يلزم أن يذكر في القصة لأنه قد يكون رأى من لا يعتد برأيه فلم يذكروا المراد على ما تقتضيه أو يقتلوك بسيوفهم أَوْ يُخْرِجُوكَ أي من مكة، وذلك على ما
ذكر ابن إسحاق أن قريشا لما رأت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كانت له شيعة وأصحاب من غيرهم من غير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد نزلوا دارا وأصابوا منهم منعة فحذروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهم وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها يتشاورون فيها ما يصنعون في أمره عليه الصلاة والسلام فلما اجتمعوا كما قال ابن عباس لذلك واتعدوا أن يدخلوا الدار ليتشاوروا فيها غدوا في اليوم الذي اتعدوا فيه وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس عليه اللعنة في هيئة شيخ جليل عليه بدلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا: من