للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المهاجري واستمر أمرهم على ذلك إلى فتح مكة ثم توارثوا بالنسبة بعد إذ لم تكن هجرة، فالولاية على هذا الوراثة المسببة عن القرابة الحكمية.

والآية منسوخة، وقال الأصم: هي محكمة، والمراد الولاية بالنصرة والمظاهرة وكأنه لم يسمع قوله تعالى:

فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ بعد نفي موالاتهم في الآية الآتية وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا كسائر المؤمنين ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ أي توليهم في الميراث وإن كانوا أقرب ذوي قرابتكم حَتَّى يُهاجِرُوا وحينئذ يثبت لهم الحكم السابق. وقرأ حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب «ولايتهم» بالكسر، وزعم الأصمعي أنه خطأ وهو المخطئ فقد تواترات القراءة بذلك، وجاء في اللغة الولاية مصدرا بالفتح والكسر وهما لغتان فيه بمعنى واحد وهو القرب الحسي والمعنوي كما قيل، وقيل: بينهما فرق فالفتح ولاية مولى النسب ونحوه والكسر ولاية السلطان ونسب ذلك إلى أبي عبيدة وأبي الحسن، وقال الزجاج: هي بالفتح النصرة والنسب وبالكسر للامارة، ونقل عنه أنه ذهب إلى أن الولاية لاحتياجها إلى تمرن وتدرب شبهت بالصناعات ولذا جاء فيها الكسر كالامارة، وذلك لما ذهب إليه المحققون من أهل اللغة من أن فعالة بالكسر في الأسماء لما يحيط بشيء ويجعل فيه كاللفافة والعمامة وفي المصادر يكون في الصناعات وما يزاول بالأعمال كالكتابة والخياطة والزراعة والحراثة، وما ذكره من حديث التشبيه بالصناعات يحتمل أن يكون من الواضع بمعنى أن الواضع حين وضعها شبهها بذلك فتكون حقيقة ويحتمل أن يكون من غيره على طرز تشبيه زيد بالأسد فحينئذ يكون هناك استعارة، وهي كما قال بعض الجلة: استعارة أصلية لوقوعها في المصدر دون المشتق وإن كان التصرف في الهيئة لا في المادة، ومنه أن الاستعارة الأصلية قسمان ما يكون التجوز في مادته وما يكون في هيئته وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ أي فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين أعداء الله تعالى وأعدائكم إِلَّا عَلى قَوْمٍ منهم بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فلا تنصروهم عليه لما في ذلك من نقض عهدهم وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فلا تخالفوا أمره ولا تتجاوزوا ما حده لكم كي لا يحل عليكم عقابه وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ آخر منهم أي في الميراث كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقال قتادة وابن إسحاق: في المؤازرة، وهذا بمفهومه مفيد لنفي الموارثة والمؤازرة بينهم وبين المسلمين وإيجاب ضد ذلك وان كانوا أقارب، ومن هنا ذهب الجمهور إلى

أنه لا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما، وأخرج ذلك ابن مروديه والحاكم وصححه عن أسامة رضي الله عنه أنه صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك وقرأ الآية،

ومن الناس من قال: إن المسلم يرث الكافر دون العكس وليس مما يعول عليه والفتوى على الأول كما تحقق في محله إِلَّا تَفْعَلُوهُ أي إلا تفعلوا ما أمرتم به في الآيتين، وقيل: الضمير المنصوب للميثاق أو حفظه أو الإرث أو النصر أو الاستنصار المفهوم من الفعل والأولى ما ذكرنا، وفي الأخير ما لا يخفى من التكلف.

تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ أي تحصل فتنة عظيمة فيها، وهي اختلاف الكلمة وضعف الإيمان وظهور الكفر وَفَسادٌ كَبِيرٌ وهو سفك الدماء على ما روي عن الحسن فالمراد فساد كبير فيها، وقيل: المراد في الدارين وهو خلاف الظاهر، وعن الكسائي أنه قرأ «كثير» بالمثلثة.

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا كلام مسوق للثناء على القسمين الأولين من الأقسام الثلاثة للمؤمنين وهم المهاجرون والأنصار بأنهم الفائزون بالقدح المعلى من الإيمان مع الوعد الكريم بقوله سبحانه: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لا يقادر قدرها وَرِزْقٌ كَرِيمٌ أي لا تبعة له ولا منة فيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>