فيه وَأُولئِكَ أي الموصوفون بما عدد من الصفات السيئة هُمُ الْمُعْتَدُونَ المجاوزون الغاية القصوى من الظلم والشرارة فَإِنْ تابُوا عما هم عليه من الكفر وسائر العظائم كنقض العهد وغيره، والفاء للايذان بأن تقريعهم بما نعى عليهم من فظائع الأعمال مزجرة عنها ومظنة للتوبة وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ على الوجه المأمور به فَإِخْوانُكُمْ أي فهم إخوانكم فِي الدِّينِ لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، والجار والمجرور متعلق بإخوانكم- كما قال أبو البقاء- لما فيه من معنى الفعل، قيل: والاختلاف بين جواب هذه الشرطية وجواب الشرطية السابقة مع اتحاد الشرط فيهما لما أن الأولى سيقت إثر الأمر بالقتل ونظائره فوجب أن يكون جوابها أمرا بخلاف هذه، وهذه سيقت بعد الحكم عليهم بالاعتداء وأشباهه فلا بد من كون جوابها حكما البتة، وهذه الآية أجلب لقلوبهم من تلك الآية إذ فرق ظاهر بين تخلية سبيلهم وبين إثبات الأخوة الدينية لهم، وبها استدل على تحريم دماء أهل القبلة، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وجاء في رواية ابن جرير وأبي الشيخ عنه أنها حرمت قتال أو دماء أهل الصلاة والمآل واحد، واستدل بها بعضهم على كفر تارك الصلاة إذ مفهومها نفي الاخوة الدينية عنه، وما بعد الحق إلا الضلال، ويلزمه القول بكفر مانع الزكاة أيضا بعين ما ذكره، وبعض من لا يقول بإكفارهما التزم تفسير إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بالتزامهما والعزم على إقامتهما ولا شك في كفر من لم يلتزمهما بالاتفاق.
وذكر بعض جلة الأفاضل أنه تعالى علق حصول الأخوة في الدين على مجموع الأمور الثلاثة التوبة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والمعلق على الشيء بكلمة إن ينعدم عند عدم ذلك الشيء فيلزم أنه متى لم توجد هذه الثلاثة لا تحصل الأخوة في الدين وهو مشكل، لأن المكلف المسلم لو كان فقيرا أو كان غنيا لكن لم ينقض عليه الحول لا يلزمه إيتاء الزكاة فإذا لم يؤتها فقد انعدم عنه ما توقف عليه حصول أخوة الدين فيلزم أن لا يكون مؤمنا، إلا أن يقال:
التعليق بكلمة إن إنما يدل على مجرد كون المعلق عليه مستلزما ما علق عليه ولا يدل على انعدام المعلق عليه بانعدامه بل يستفاد ذلك من دليل خارجي لجواز أن يكون المعلق لازما أعم فيتحقق بدون تحقق ما جعل ملزوما له، ولو سلّم أن نفس التعليق يدل على انعدام المعلق عند انعدام المعلق عليه، لكن لا نسلم أنه يلزم من ذلك أن لا يكون المسلم الفقير مؤمنا بعدم إيتاء الزكاة وإنما يلزم ذلك أن لو كان المعلق عليه ايتاؤها على جميع التقادير وليس كذلك، بل المعلق عليه هو الإيتاء عند تحقق شرائط مخصوصة مبينة بدلائل شرعية انتهى.
وأنت تعلم ما في القول بمفهوم الشرط من الخلاف والحنفية يقولون به، والظاهر أن هذا البحث كما يجري في إيتاء الزكاة يجري في إقامة الصلاة. واستدل ابن زيد باقترانهما على أنه لا تقبل الصلاة إلا بالزكاة.
وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أمرتم بالصلاة والزكاة فمن لم يزكّ فلا صلاة له وَنُفَصِّلُ الْآياتِ أي نبينها، والمراد بها إما ما مر من الآيات المتعلقة بأحوال المشركين من الناكثين وغيرهم وأحكامهم حالتي الكفر والإيمان وإما جميع الآيات فيندرج فيها تلك الآيات اندراجا أوليا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ما فصلنا أو من ذوي العلم على أن الفعل متعدّ ومفعوله مقدر أو منزل منزلة اللازم، والعلم كما قيل كناية عن التأمل والتفكر أو مجاز مرسل عن ذلك بعلاقة السببية، والجملة معترضة للحث على التأمل في الآيات، وتدبرها، وقوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا عطف على قوله سبحانه: فَإِنْ تابُوا أي وإن لم يفعلوا ذلك بل نقضوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ الموثق بها وأظهروا ما في ضمائرهم من الشر وأخرجوه من القوة إلى الفعل، وجوز أن يكون المراد وإن ثبتوا واستمروا على ما هم عليه من النكث، وفسر بعضهم النكث بالارتداد بقرينة ذكره في مقابلة فَإِنْ تابُوا والأول أولى بالمقام وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ قدحوا فيه بأن أعابوه وقبحوا أحكامه علانية.