أيضا به تعالى ومتى لم يخص به جل شأنه لم تخص العبادة به سبحانه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ صفة ثانية لإلها أو استئناف، وهو على الوجهين مقرر للتوحيد وفيه على ما قيل فائدة زائدة وهو أن ما سبق يحتمل غير التوحيد بأن يؤمروا بعبادة إله واحد من بين الآلهة فإذا وصف المأمور بعبادته بأنه هو المنفرد بالألوهية تعين المراد، وجوز أن يكون صفة مفسرة لواحدا سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ تنزيه له أي تنزيه عن الإشراك به في العبادة والطاعة يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ إطفاء النار على ما في القاموس إذهاب لهبها الموجب لاذهاب نورها لا إذهاب نورها على ما قيل، لكن ما كان الغرض من إطفاء نار لا يراد بها إلا النور كالمصباح إذهاب نورها جعل إطفاءها عبارة عنه ثم شاع ذلك حتى كان عبارة عن مطلق إذهاب النور وإن كان لغير النار، والمراد بنور الله حجته تعالى النيرة المشرقة الدالة على وحدانيته وتنزهه سبحانه عن الشركاء والأولاد أو القرآن العظيم الصادع الصادح بذلك، وقيل: نبوته عليه الصلاة والسلام التي ظهرت بعد أن استطال دجا الكفر صبحا منيرا، وأيا ما كان فالنور استعارة أصلية تصريحية لما ذكر، وإضافته إلى الله تعالى قرينة، والمراد من الإطفاء الرد والتكذيب أي يريد أهل الكتابين أن يردوا ما دل على توحيد الله تعالى وتنزيهه عما نسبوه إليه سبحانه بِأَفْواهِهِمْ أي بأقاويلهم الباطلة الخارجة عنها من غير أن يكون لها مصداق تنطبق عليه أو أصل تستند إليه بل كانت أشبه شيء بالمهملات، قيل: ويجوز أن يكون في الكلام استعارة تمثيلية بأن يشبه حالهم في محاولة إبطال نبوته صلّى الله عليه وسلّم بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق ويكون قوله تعالى: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ترشيحا للاستعارة لأن إتمام النور زيادة في استنارته وفشو ضوئه فهو تفريع على المشبه به وما بعد من قوله سبحانه: هُوَ الَّذِي إلخ تجريد وتفريع على الفرع، وروعي في كل من المشبه والمشبه به معنى الافراط والتفريط حيث شبه الابطال بالاطفاء بالفم، ونسب النور إلى الله تعالى العظيم الشأن ومن شأن النور المضاف إليه سبحانه أن يكون عظيما فكيف يطفأ بنفخ الفم، وتمم كلا من الترشيح والتجريد بما تمم لما بين الكفر الذي هو ستر وإزالة للظهور والإطفاء من المناسبة وبين دين الحق الذي هو التوحيد والشرك من المقابلة انتهى. ولا يخلو عن حسن. والظاهر أن المراد بالنور هنا هو الأول إلا أنه أقيم الظاهر مقام الضمير وأضيف إلى ضميره سبحانه لمزيد الاعتناء بشأنه وللاشعار بعلة الحكم، والاستثناء مفرغ فالمصدر منصوب على أنه مفعول به والمصحح للتفريغ عند جمع كون يَأْبَى في معنى النفي، والمراد به إما لا يريد لوقوعه في مقابلة يريدون كما قيل أو لا يرضى كما ارتضاه بعض المحققين بناء على أن المراد بإرادة إتمام نوره سبحانه إرادة خاصة وهي الإرادة على وجه الرضا بقرينة وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ لا الإرادة المجامعة لعدم الرضا كما هو مذهب أهل الحق خلافا لمن يسوي بينهما. وقال الزجاج: إن مصحح التفريغ عموم المستثنى منه وهو محذوف ولا يضركون ذلك نسبيا إذ غالب العمومات كذلك بل قد قيل: ما من عام إلا وقد خص منه البعض، أي يكره كل شيء يتعلق بنوره إلا إتمامه، وقرينة التخصيص السياق.
ولا يجوز تأويل الجماعة عنده إذ ما من إثبات إلا ويمكن تأويله بالنفي فيلزم جريان التفريغ في كل شيء وهو كما ترى، والحق أنه لا مانع من التأويل إذا اقتضاه المقام، وإتمام النور بإعلاء كلمة التوحيد وإعزاز دين الإسلام وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ جواب لَوْ محذوف لدلالة ما قبله عليه أي يتم نوره.
والجملة معطوفة على جملة قبلها مقدرة أي لو لم يكره الكافرون ولو كره وكلتاهما في موضع الحال، والمراد أنه سبحانه يتم نوره ولا بد هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ محمدا صلّى الله عليه وسلّم متلبسا بِالْهُدى أي القرآن الذي هو هدى للمتقين وَدِينِ الْحَقِّ أي الثابت، وقيل: دينه تعالى وهو دين الإسلام لِيُظْهِرَهُ أي الرسول عليه الصلاة والسلام عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أي على أهل الأديان كلها فيخذلهم أو ليظهر دين الحق علي سائر الأديان بنسخه إياها