بعض المحققين، وجوز أن يراد بالسورة بعضها مجازا من باب إطلاق الجزء على الكل، ويوهم كلام الكشاف أن إطلاق السورة على بعضها بطريق الاشتراك كإطلاق القرآن على بعضه وليس بذاك، والتنوين للتفخيم أي سورة جليلة الشأن أَنْ آمِنُوا أي بأن آمنوا ف «أن» مصدرية حذف عنها الجار وجوز أن تكون مفسرة لتقدم الانزال وفيه معنى القول دون حروفه، والخطاب للمنافقين، والمراد أخلصوا الايمان بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ لإعزاز دينه وإعلاء كلمته، وأما التعميم أو إرادة المؤمنين بمعنى دوموا على الايمان بالله إلخ كما ذهب إليه الطبرسي وغيره فلا يناسب المقام ويحتاج فيه ارتباط الشرط والجزاء إلى تكلف ما لا حاجة إليه كاعتبار ما هو من حال المؤمنين الخلص في النظم الجليل اسْتَأْذَنَكَ أي طلب الإذن منك وفيه التفات أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ أي أصحاب الفضل والسعة من المنافقين وهم من له قدرة مالية ويعلم من ذلك البدنية بالقياس وخصوا بالذكر لأنهم الملومون وَقالُوا ذَرْنا أي دعنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ أي الذين لم يجاهدوا لعذر من الرجال والنساء ففيه تغليب، والعطف على استأذنك للتفسير مغن عن ذكر ما استأذنوا فيه وهو القعود.
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ أي النساء كما روي عن ابن عباس وقتادة وهو جمع خالفة وأطلق على المرأة لتخلفها عن أعمال الرجال كالجهاد وغيره، والمراد ذمهم وإلحاقهم بالنساء في التخلف عن الجهاد، ويطلق الخالفة على من لا خير فيه، والتاء فيه للنقل للاسمية، وحمل بعضهم الآية على ذلك فالمقصود حينئذ من لا فائدة فيه للجهاد وجمعه على فواعل على الأول ظاهر وأما على الثاني فلتأنيث لفظه لأن فاعلا لا يجمع على فواعل في العقلاء الذكور إلا شذوذا وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ بسبب ذلك لا يَفْقَهُونَ ما ينفعهم وما يضرهم في الدارين لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ استدراك لما فهم من الكلام، والمعنى إن تخلف هؤلاء ولم يجاهدوا فلا ضير لأنه قد نهض على أتم وجه من هو خير منهم فهو على حد قوله تعالى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ [الأنعام: ٨٩] وفي الآية تعريض بأن القوم ليسوا من الايمان بالله تعالى في شيء وإن لم يعرضوا عنه صريحا اعراضهم عن الجهاد باستئذانهم في القعود وَأُولئِكَ أي المنعوتون بالنعوت الجليلة لَهُمُ بواسطة ذلك الْخَيْراتُ أي المنافع التي تسكن النفس إليها وترتاح لها، وظاهر اللفظ عمومها هنا لمنافع الدارين كالنصر والغنيمة في الدنيا والجنة ونعيمها في الأخرى، وقيل. المراد بها الحور لقوله تعالى: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ [الرحمن: ٧] فإنها فيه بمعنى الحور فتحمل عليه هنا أيضا. ونص المبرد على أن الخيرات تطلق على الجواري الفاضلات وهي جمع خيرة بسكون الياء مخفف خيرة المشددة تأنيث خير وهو الفاضل من كل شيء المستحسن منه وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الفائزون بالمطالب دون من حاز بعضا بفني عما قليل، وكرر اسم الإشارة تنويها بشأنهم أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ استئناف لبيان كونهم مفلحين، وقيل: يجوز أن يكون بيانا لما لهم من المنافع الأخروية ويخص ما قبل بمنافع الدنيا بقرينة المقابلة، والاعداد التهيئة أي هيأ لهم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها حال مقدرة من الضمير في لَهُمْ والعامل أَعَدَّ ذلِكَ إشارة إلى ما فهم من الكلام من نيل الكرامة العظمى الْفَوْزُ أي الظفر الْعَظِيمُ الذي لا فوز وراءه وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ شروع في بيان أحوال منافقي الاعراب إثر بيان أحوال منافقي أهل المدينة، والمعذرون من عذر في الأمر إذا قصر فيه وتوانى ولم يجد، وحقيقته أن يوهم أن له عذرا فيما يفعل ولا عذر له، ويحتمل أن يكون من اعتذر والأصل المعتذرون فأدغمت التاء في الذال بعد نقل حركتها إلى العين، ويجوز كسرها لالتقاء الساكنين وضمها اتباعا للميم لكن لم يقرأ بهما، وقرأ يعقوب «المعذرون» بالتخفيف وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فهو من أعذر إذا كان له