إرادة الخير للمنصوح له وليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة يجمعه غيرها، والعامل في الظرف على ما قال أبو البقاء معنى الكلام أي لا يخرجون حينئذ.
ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ أي ما عليهم سبيل فالإحسان النصح لله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ووضع الظاهر موضع ضميرهم اعتناء بشأنهم ووصفا لهم بهذا العنوان الجليل، وزيدت «من» للتأكيد، والجملة استئناف مقرر لمضمون ما سبق على أبلغ وجه وألطف سبك وهو من بليغ الكلام لأن معناه لا سبيل لعاتب عليهم أي لا يمر بهم العاتب ولا يجوز في أرضهم فما أبعد العتاب عنهم وهو جار مجرى المثل، ويحتمل أن يكون تعليلا لنفي الحرج عنهم والْمُحْسِنِينَ على عمومه أي ليس عليهم حرج لأنه ما على جنس المحسنين سبيل وهم من جملتهم، قال ابن الفرس: ويستدل بالآية على أن قاتل البهيمة الصائلة لا يضمنها وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تذييل مؤيد لمضمون ما ذكر وفيه إشارة إلى أن كل أحد عاجز محتاج للمغفرة والرحمة إذ الإنسان لا يخلو من تفريط ما فلا يقال: إنه نفى عنهم الإثم أولا فما الاحتياج إلى المغفرة المقتضية للذنب فإن أريد ما تقدم من ذنوبهم دخلوا بذلك الاعتبار في المسيء وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ عطف على المحسنين كما يؤذن به قوله تعالى الآتي إن شاء الله تعالى إِنَّمَا السَّبِيلُ إلخ، وهو من عطف الخاص على العام اعتناء بشأنهم وجعلهم كأنهم لتميزهم جنس آخر. وقيل:
عطف على الضعفاء وهم- كما قال ابن إسحاق وغيره- البكاءون وكانوا سبعة نفر من الأنصار وغيرهم من بني عمرو بن عوف: سالم بن عمير وعلية بن زيد أخو بني حارث وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب أخو بني مازن بن النجار.
وعمرو بن الحمام بن الجموح أخو بني سلمة وعبد الله بن معقل المزني وهرمي بن عبد الله أخو بني واقف. وعرباض بن سارية الفزاري أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستحملوه وكانوا أهل حاجة فقال لهم عليه الصلاة والسلام ما قصه الله تعالى بقوله سبحانه: قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ فتولوا وهم يبكون كما أخبر سبحانه، والظاهر أنه لم يخرج منهم أحد للغزو مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكن قال ابن إسحاق: أن ابن يامين بن عمير بن كعب النضري لقي أبا ليلى وابن معقل وهم يبكيان فقال: ما يبكيكما؟ قالا: جئنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه فأعطاهما ناضحا له فارتحلا وزودهما شيئا من تمر فخرجا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي بعض الروايات أن الباقين أعينوا على الخروج فخرجوا. وعن مجاهد انهم بنو مقرن: معقل وسويد والنعمان، وقيل: هم أبو موسى الأشعري وأصحابه من أهل اليمن وقيل وقيل: وظاهر الآية يقتضي أنهم طلبوا ما يركبون من الدواب وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وأخرج ابن المنذر عن علي بن صالح قال: حدثني مشيخة من جهينة قالول: أدركنا الذين سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحملان فقالوا: ما سألناه إلا الحملان على النعال، ومثل هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم بن أدهم عمن حدثه أنه قال: ما سألوه الدواب ما سألوه إلا النعال، وجاء في بعض الروايات أنهم قالوا: احملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة نغزو معك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال، ومن مال إلى الظاهر المؤيد بما روي عن الحبر قال: تجوز بالجفاف المرقوعة والنعال المخصوفة عن ذي الخف والحافر فكأنهم قالوا:
احملنا على ما يتيسر أو المراد احملنا ولو على نعالنا وأخفافنا مبالغة في القناعة ومحبة للذهاب معه عليه الصلاة والسلام.
وأنت تعلم أن ظاهر الخبرين السابقين يبعد ذلك على أنه في نفسه خلاف الظاهر نعم الاخبار المخالفة لظاهر الآية لا يخفى ما فيها من له اطلاع على مصطلح الحديث ومغايرة هذا الصنف بناء على ما يقتضيه الظاهر من أنهم واجدون لما عدا المركب للذين لا يجدون ما ينفقون إذا كان المراد بهم الفقراء الفاقدين للزاد والمركب وغيره ظاهرة