والإعزاز مثلا وليس بالرديء، وقيل: يجوز إبقاء الرؤية على ما يتبادر منها، وتعقب بأن فيه التزام القول برؤية المعاني وهو تكلف وإن كان بالنسبة إليه تعالى غير بعيد، وأنت تعلم أن من الأعمال ما يرى عادة كالحركات ولا حاجة فيه إلى حديث الالتزام المذكور على أن ذلك الالتزام في جانب المعطوف لا يخفى ما فيه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وغيره عن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قرأ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ
أي فسيظهره وَسَتُرَدُّونَ أي بعد الموت إِلى عالِمِ الْغَيْبِ ومنه ما سترونه من الأعمال وَالشَّهادَةِ ومنها ما تظهرونه، وفي ذكر هذا العنوان من تهويل الأمر وتربية المهابة ما لا يخفى. فَيُنَبِّئُكُمْ بعد الرد الذي هو عبارة عن الأمر الممتد بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قبل ذلك في الدنيا والإنباء مجاز عن المجازاة أو كناية أي يجازيكم حسب ذلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر ففي الآية وعد ووعيد. وَآخَرُونَ عطف على آخرون قبله أي ومنهم قوم آخرون غير المعترفين المذكورين مُرْجَوْنَ أي مؤخرون وموقوف أمرهم لِأَمْرِ اللَّهِ أي إلى أن يظهر أمر الله تعالى في شأنهم.
وقرأ أهل المدينة والكوفة غير أبي مُرْجَوْنَ بغير همز والباقون «مرجئون» بالهمز وهما لغتان يقال: أرجأته وأرجيته كأعطيته، ويحتمل أن تكون الياء بدلا من الهمزة كقولهم: قرأت وقريت وتوضأت وتوضيت وهو في كلامهم كثير، وعلى كونه لغة أصلية هو يائي، وقيل: إنه واوي، ومن هذه المادة المرجئة إحدى فرق أهل القبلة وقد جاء فيه الهمز وتركه، وسموا بذلك لتأخيرهم المعصية عن الاعتبار في استحقاق العذاب حيث قالوا: لا عذاب مع الإيمان فلم يبق للمعصية عندهم أثر، وفي المواقف سموا مرجئة لأنهم يرجون العمل عن النية أي يؤخرونه في الرتبة عنها وعن الاعتقاد، أو لأنهم يعطون الرجاء في قولهم: لا يضر مع الإيمان معصية انتهى.
وعلى التفسيرين الأولين يحتمل أن يكون بالهمز وتركه، وأما على الثالث فينبغي أن يقال مرجئة بفتح الراء وتشديد الجيم، والمراد بهؤلاء المرجون كما في الصحيحين هلال بن أمية وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهو المروي عن ابن عباس وكبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكانوا قد تخلفوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأمر ما مع الهم باللحاق به عليه الصلاة والسلام فلم يتيسر لهم ولم يكن تخلفهم عن نفاق وحاشاهم فقد كانوا من المخلصين فلما قدم النبي صلّى الله عليه وسلم وكان ما كان من المتخلفين قالوا: لا عذر لنا إلا الخطيئة ولم يعتذروا له صلّى الله عليه وسلم ولم يفعلوا كما فعل أهل السواري وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم باجتنابهم وشدد الأمر عليهم كما ستعلمه إن شاء الله تعالى إلى أن نزل قوله سبحانه:
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ [التوبة: ١١٧] إلخ، وقد وقف أمرهم خمسين ليلة لا يدرون ما الله تعالى فاعل بهم إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ في موضع الحال أي منهم هؤلاء إما معذبين وأما متوبا عليهم.
وقيل: خبر آخَرُونَ على أنه مبتدأ ومُرْجَوْنَ صفته، والأول أظهر، وإما للتنويع على معنى أن أمرهم دائر بين هذين الأمرين، وقيل: للترديد بالنظر للفساد والمعنى ليكن أمرهم عندكم بين الرجاء والخوف، والمقصود تفويض ذلك إلى إرادة الله تعالى ومشيئته إذ لا يجب عليه سبحانه تعذيب العاصي ولا مغفرة التائب وإنما شدد عليهم مع إخلاصهم، والجهاد فرض كفاية لما نقل عن ابن بطال في الروض الآنف وارتضاه أن الجهاد كان على الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا النبي صلّى الله عليه وسلم، ألا ترى قول راجزهم في الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
وهؤلاء من أجلّتهم فكان تخلفهم كبيرة، وروي عن الحسن أن هذه الآية في المنافقين وحينئذ لا يراد بالآخرين من ذكرنا لأنهم من علمت بل يراد به آخرون منافقون، وعلى هذا ينبغي أن يكون قول من قال في إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ أي