للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في ضده يقال: كذب فيه فيعبر به عن كل فعل فاضل ظاهرا وباطنا ويضاف إليه كمقعد صدق ومدخل صدق ومخرج صدق إلى غير ذلك، وصرحوا هنا بأن الإضافة من إضافة الموصوف إلى صفته، والأصل قدم صدق أي محققة مقررة، وفيه مبالغة لجعلها عين الصدق ثم جعل الصدق كأنه صاحبها، ويحتمل أن تكون الإضافة من إضافة المسبب إلى السبب وفي ذلك تنبيه على أن ما نالوه من المنازل الرفيعة كان بسبب صدق القول والنية.

وقال بعضهم: إن هذا التنبيه قد يحصل على الاعتبار الأول لأن الصدق قد تجوز به عن توفية الأمور الفاضلة حقها للزوم الصدق لها حتى كأنها لا توجد بدونه ويكفي مثله في ذلك التنبيه وهذا كما قالوا: أن أبا لهب يشير إلى أنه جهنمي وفيه خفاء كما لا يخفى ويجوز إلى يراد بالقدم المقام بإطلاق الحال وإرادة المحل، وعن الأزهري أن القدم الشيء الذي تقدمه قدامك ليكون عدة لك حين تقدم عليه ويشعر بأنه اسم مفعول وبه صرح بعضهم وقال إنه كالنقض، وقيل: إنه اسم للحسنى من العبد كما أن اليد اسم للحسنى من السيد وفعلوا ذلك للفرق بين العبد والسيد وهو من الغرابة بمكان، ولا يكاد يصح في قول ذي الرمة:

لكم قدم لا ينكر الناس أنها ... مع الحسب العادي طمت على البحر

وقوله:

وأنت امرؤ من أهل بيت ذؤابة ... لهم قدم معروفة في المفاخر

والسبق هو الأسبق إلى الذهن في ذلك وكذا في قول حسان:

لنا القدم العليا إليك وخلفنا ... لأولنا في طاعة الله تابع

وقول الآخر:

صل لذي العرش واتخذ قدما ... تنجيك يوم العثار والزلل

محتمل لسائر المعاني وهل يطلق على سابقة السوء أولا الظاهر الأول وقد نص على ذلك أبو عبيدة والكسائي.

وقال صاحب الانتصاف لم يسموا سابقة السوء قدما إما لكون المجاز لا يطرد، وإما لأنه غلب في العرف على سابقة الخير وفيه نظر، وتفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما له بالأجر وابن مسعود بالعمل لا يخرج عما ذكرنا من معانيه، وكذا تفسير علي كرم الله تعالى وجهه وأبي سعيد الخدري والحسن وزيد بن أسلم له برأس الموجودات محمد صلّى الله عليه وسلم يرجع إلى تفسيره بالخير والسعادة كما قاله جمع، وكونه صلّى الله عليه وسلم خيرا وسعادة للمؤمنين مما لا يمتري فيه مؤمن. أو يقال: إن المراد شفاعته صلّى الله عليه وسلم والأمر في ذلك حينئذ في غاية الظهور وخص التبشير بالمؤمنين لأنه لا يتعلق بالكفار وتبشيرهم أن آمنوا راجع إلى تبشير المؤمنين وهذا بخلاف الإنذار فإنه يتعلق بالمؤمن والكافر ولذلك ذكره سبحانه ولم يذكر جل وعلا المنذر به للتعميم والتهويل، وذكر المبشر به على الوجه الذي ذكره لتقوى رغبة المؤمنين فيما يؤديهم إليه، وقدم الإنذار على التبشير لأن التخلية مقدمة على التخلية وإزالة ما لا ينبغي مقدمة في الرتبة على فعل ما ينبغي.

قالَ الْكافِرُونَ هم المتعجبون وإيرادهم بهذا العنوان على بابه، وترك العاطف لجريانه مجرى البيان للجملة التي دخل عليها همزة الإنكار أو لكونه استئنافا مبنيا على السؤال كأنه قيل: ماذا صنعوا بعد التعجب هل بقوا على التردد والاستبعاد أو قطعوا فيه بشيء؟ فقيل: قال الكافرون على طريقة التأكيد إِنَّ هذا أي ما أوحي إليه صلّى الله عليه وسلم من الكتاب المنطوي على الإنذار والتبشير، وزعم الخازن أن في الكلام حذفا أي أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر وبشر فلما جاءهم بالوحي وأنذرهم قال الكافرون إن هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ أي ظاهر، وقرأ ابن كثير

<<  <  ج: ص:  >  >>