وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً كالصحة والسعة مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ أي خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم، وإسناد المساس إلى الضراء بعد إسناد الإذاقة إلى ضمير الجلالة من الآداب القرآنية كما في قوله تعالى: وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: ٨٠] ونظائره وينبغي التأدب في ذلك
ففي الخبر «اللهم إن الخير بيديك والشر ليس إليك»
والمراد بالناس كفار مكة على ما قيل لما روي أن الله تعالى سلط عليهم القحط سبع سنين حتى كادوا يهلكون فطلبوا منه صلّى الله عليه وسلم أن يدعو لهم بالخصب ووعده بالإيمان فلما دعا لهم ورحمهم الله تعالى بالحياء طفقوا يطعنون في آياته تعالى ويعاندونه عليه الصلاة والسلام ويكيدونه وذلك قوله سبحانه: إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا أي بالطعن فيها وعدم الاعتداد بها والاحتيال في دفعها، والظاهر أن المراد بالآيات: الآيات القرآنية، وقيل: المراد بها الآيات التكوينية كإنزال الحياء، ومكرهم فيها إضافتها إلى الأصنام والكواكب. وقيل: إن النَّاسَ عام لجميع الكفار، ولا يجوز حمله على ما يشمل العصاة كما لا يخفى، وكانت العرب تضيف الأمطار وكذا الرياح والحر والبرد إلى الأنواء، وهو جمع نوء مصدر ناء ينوء إذا نهض بجهد ومشقة ويقال ذلك أيضا إذا سقط فهو من الأضداد، ويطلق على النجم الذي هو أحد المنازل الثمانية والعشرين التي ذكرناها فيما سبق وهو المراد في كلامهم إلا أن الإضافة إليه باعتبار سقوطه مع الفجر كما هو المشهور أو باعتبار طلوعه ذلك الوقت كما قال الأصمعي.
وقد عد القائل بتأثير الأنواء كافرا
فقد روى الشيخان، وأبو داود، والنسائي عن زيد بن خالد قال:«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال الله تعالى أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكوكب وكافر بي ومؤمن بالكوكب فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب»
ولعل كون ذلك من الكفر بالله تعالى مبني على زعم أن للكواكب تأثيرا اختيارا ذاتيا في ذلك وإلا فاعتقاد أن التأثير عندها لا بها كما هو المشهور من مذهب الأشاعرة في سائر الأسباب ليس بكفر كما نص عليه العلامة ابن حجر، وكذا اعتقاد أن التأثير بها على معنى إن الله تعالى أودع فيها قوة مؤثرة بإذنه فمتى شاء سبحانه أثرت ومتى لم يشأ لم تؤثر كما هو مذهب السلف في الأسباب على ما قرره الشيخ إبراهيم الكوراني في مسلك السداد، ولو كان نسبة التأثير مطلقا إلى الأنواء ونحوها من العلويات كفرا لا تسع الخرق ولزم إكفاء كثير من الناس حتى أفاضلهم لقولهم بنسبة الكثير من عالم الكون والفساد إلى العلويات ويسمونها بالآباء العلوية، وقد صرح الشيخ الأكبر قدس سره بأن للكواكب السيارات وغيرها تأثيرا في هذا العالم إلا أن الوقوف على تعيين جزئياته مما لا يطلع عليه إلا أرباب الكشف والأرصاد القلبية، وليس مراده قدس سره وكذا مراد من أطلق التأثير إلا ما ذهب إليه أحد الفريقين في الأسباب وحاشا ثم حاشا أن يكون أولئك الأفاضل ممن يعتقد أن في الوجود مؤثرا غير الله تعالى بل من وقف على حقيقة كلام الحكماء الذين هم بمعزل عن الشريعة الغراء وجدهم متفقين على أن الوجود معلول له تعالى على الإطلاق، قال بهمنيار في التحصيل:
فإن سئلت الحق فلا يصح أن يكون علة الوجود إلا ما هو بريء من كل وجه من معنى ما بالقوة وهذا هو المبدأ الأول لا غير، وما نقل عن أفلاطون من قوله: إن العالم كرة والأرض مركز والإنسان هدف والأفلاك قسي والحوادث سهام والله تعالى هو الرامي فأين المفر يشعر بذلك أيضا نعم إنهم قالوا بالشرائط العقلية وهي المراد بالوسائط في كلام بعضهم وهو خلاف المذهب الحق، والجملة لا يكفر من قال: إن الكواكب مؤثرة على معنى أن التأثير عندها أو بها بإذن الله تعالى بل حكمه حكم من قال: إن النار محرقة والماء مرو مثلا، ولا فرق بين القولين إلا بما عسى أن يقال: إن التأثير في نحو النار والماء أمر محسوس مشاهد والتأثير في الكواكب ليس كذلك والقول به رجم بالغيب لكن ذلك بعد تسليمه لا يوجب كون أحد القولين كفرا دون الآخر كما لا يخفى على المنصف، ومع هذا الأحوط عدم إطلاق نسبة التأثير إلى الكواكب والتجنب عن التلفظ بنحو ما أكفر الله سبحانه المتلفظة هذا وَإِذا الأولى شرطية والثانية