وحينئذ فالأظهر أن يراد بالشركاء جميع ما عبد من دون الله تعالى من ذوي العقول وغيرهم والكل صادق في قوله ذلك، وقد يراد من عدم الطلب ما يشمل عدم الطلب الحالي والقالي إذا اعتبر كون القائل ممن يصح نسبة ذلك له كالملائكة عليهم السلام وهذا الوجه لا يتوقف على شعور الشركاء بعبادتهم ولا على عدمه فيجوز أن يكون لهم شعور بذلك ويجوز أن لا يكون لهم شعور، والظاهر أن تفسير الغفلة بعدم الارتضاء المراد منهم على ما قيل السخط والكراهة يستدعي الشعور إذ كراهة الشيء مع عدم الشعور به مما لا يكاد يعقل وإثباته لجميع الشركاء ولو إجمالا في وقت من الأوقات الدنيوية غير مسلم، ولعل التعبير بالغفلة أكثر تهجينا للمخاطبين ولعبادتهم من التعبير بعدم الطلب مثلا فتأمل، والباء في بِاللَّهِ صلة وشَهِيداً تمييز، وإِنْ مخففة من أن واللام هي الفارقة بين المخففة والنافية والظرف متعلق بغافلين، والتقديم لرعاية الفاصلة، أي كفى الله شهيدا فإنه العليم الخبير المطلع على كنه الحال إنا كنا غافلين عن عبادتكم، والظاهر من كلام بعض المحققين أن فَكَفى إلخ استشهاد على النفي السابق لا على الإثبات اللاحق هُنالِكَ أي في ذلك المقام الدحض والمكان الدهش وهو مقام الحشر فهنالك باق على أصله وهو الظرفية المكانية، وقيل: إنه استعمل ظرف زمان مجازا أي في ذلك الوقت تَبْلُوا أن تختبر كُلُّ نَفْسٍ مؤمنة كانت أو كافرة ما أَسْلَفَتْ من العمل فتعاين نفعه وضره أتم معاينة.
وقرأ حمزة والكسائي «تتلو» من التلاوة بمعنى القراءة، والمراد قراءة صحف ما أسلفت، وقيل: إن ذلك كناية عن ظهور الأعمال. وجوز أن يكون من التلو على معنى أن العمل يتجسم ويظهر فيتبعه صاحبه حتى يرد به الجنة أو النار أو هو تمثيل. وقرأ عاصم في رواية عنه «نبلو» بالباء الموحدة والنون ونصب «كلّ» على أن فاعل- نبلو- ضميره تعالى و «كل» مفعوله و «ما» بدل منه بدل اشتمال، والكلام استعارة تمثيلية أي هنالك نعامل كل نفس معاملة من يبلوها ويتعرف أحوالها من السعادة والشقاوة باختبار ما أسلفت من العمل، ويجوز أن يراد نصيب بالبلاء أي العذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر فتكون ما منصوبة بنزع الخافض وهو الباء السببية.
وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ عطف على زيلنا والضمير للذين أشركوا وما في البين اعتراض في أثناء الحكاية مقرر لمضمونها، والمعنى ردوا إلى جزائه وعقابه أو إلى موضع ذلك، فالرد إما معنوي أو حسي. وقال الإمام: المعنى جعلوا ملجئين إلى الإقرار بألوهيته سبحانه وتعالى مَوْلاهُمُ أي ربهم الْحَقِّ أي المتحقق الصادق في ربوبيته لا ما اتخذوه ربا باطلا. وقرئ «الحقّ» بالنصب على المدح، والمراد به الله تعالى وهو من أسمائه سبحانه أو على المصدر المؤكد والمراد به ما يقابل الباطل، ولا منافاة بين هذه الآية وقوله سبحانه: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ [محمد: ١١] . لاختلاف معنى المولى فيهما. وأخرج أبو الشيخ عن السدي أن الأولى منسوخة بالثانية ولا يخفى ما فيه وَضَلَّ أي ضاع وذهب عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ من أن آلهتهم تشفع لهم أو ما كانوا يدعون أنها شركاء لله عز وجل، وما يحتمل أن تكون موصولة وأن تكون مصدرية والجملة معطوفة على قوله سبحانه: رُدُّوا ومن الناس من جعلها عطفا على- زيلنا- وجملة- ردوا- معطوفة على جملة- تبلو- إلخ داخلة في الاعتراض وضمير الجمع للنفوس المدلول عليها بكل نفس، والعدول إلى الماضي للدلالة على التحقق والتقرر، وإيثار صيغة الجمع للإيذان بأن ردهم إليه سبحانه يكون على طريق الاجتماع وما ذكرناه أولى لفظا ومعنى. وتعقب شيخ الإسلام جعل الضمير للنفوس وعطف رُدُّوا على تَبْلُوا إلخ بأنه لا يلائمه التعرض لوصف الحقية في قوله سبحانه: مَوْلاهُمُ الْحَقِّ فإنه للتعريض بالمردودين ثم قال: ولئن اكتفى فيه بالتعريض ببعضهم أو حمل الْحَقِّ على معنى العدل في الثواب والعقاب أي مع تفسير المولى بمتولي الأمور فقوله سبحانه: وَضَلَّ إلخ مما لا مجال