للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منسوخة بآية السيف لما أن مدلولها اختصاص كل بأفعاله وثمراتها من الثواب والعقاب وآية السيف لم ترفع ذلك، وعن مقاتل والكلبي وابن زيد أنها منسوخة بها وكأن ذلك لما فهموا منها الإعراض وترك التعرض بشيء،

ولعل وجه تقديم حكم المتكلم أولا وتأخيره ثانيا والعكس في حكم المخاطبين ظاهر مما ذكرناه في معنى الآية فافهم.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا وهو احتجابهم عن قبول صفات الحق وذلك لأنه بتوفر النعم الظاهرة والمرادات الجسمانية يقوي ميل النفس إلى الجهة السفلية فتحتجب عن قبول ذلك كما أنه بأنواع البلاء تنكسر سورة النفس ويتلطف القلب ويحصل الميل إلى الجهة العلوية والتهيؤ لقبول ذلك قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً بإخفاء القهر الحقيقي في هذا اللطف الصوري إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ في ألواح الملكوت هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي يسير نفوسكم في بر المجاهدات وقلوبكم في بحر المشاهدات، وقيل: يسير عقولكم في بر الأفعال وأرواحكم في بحر الصفات والذات حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ أي فلك العناية الأزلية وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وهي ريح صبا وصاله سبحانه وَفَرِحُوا بِها لإيذانها بذلك وتعطرها بشذا ديار الإنس ومرابع القدس:

ألا يا نسيم الريح ما لك كلما ... تقربت منا زاد نشرك طيبا

أظن سليمى خبرت بسقامنا ... فأعطتك رياها فجئت طبيبا

جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وذلك عاصف القهر وأمواج صفات الجلال، وهذه سنة جارية في العاشقين لا يستمر لهم حال ولا يدون لهم وصال، ولله در من قال:

فبتنا على رغم الحسود وبيننا ... شراب كريح المسك شيب به الخمر

فوسدتها كفي وبت ضجيعها ... وقلت لليلي طل فقد رقد البدر

فلما أضاء الصبح فرق بيننا ... وأي نعيم لا يكدره الدهر

وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ أي إنهم من الهالكين في تلك الأمواج دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ بالتبري من غير الله تعالى قائلين لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لك بك فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وهو تجاوزهم عن حد العبودية بسكرهم في جمال الربوبية، وذلك مثل ما عرا الحلاج وأضرابه ثم إنه سبحانه نبههم بعد رجوعهم من السكر إلى الصحو على أن الأمر وراء ذلك بقوله جل وعلا: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أي إنه يرجع إليكم ما ادعيتم لا إليه تعالى فإنه سبحانه الموجود المطلق حتى عن قيد الإطلاق كذا قالوا.

وقال ابن عطاء في الآية حتى إذا ركبوا مراكب المعرفة وجرت بهم رياح العناية وطابت نفوسهم وقلوبهم بذلك وفرحوا بتوجههم إلى مقصودهم جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ أفنتهم عن أحوالهم وإرادتهم وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ أي تيقنوا أنهم مأخوذون عنهم ولم يبق لهم ولا عليهم صفة يرجعون إليها وأن الحق خصهم من بين عباده بأن سلبهم عنهم دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حيث صفى سبحانه أسرارهم وطهرها مما سواه فَلَمَّا أَنْجاهُمْ أي ردهم إلى أوصافهم وأشباحهم رجعوا إلى ما عليه عوام الخلق من طلب المعاش للنفوس انتهى. وكأنه حمل البغي على الطلب وضمنه معنى الاشتغال أي يطلبون في الأرض مشتغلين بغير الحق سبحانه وهو المعاش الذي به قوام أبدانهم، ويشكل أمر الوعيد المنبئ به فَنُنَبِّئُكُمْ إلخ على هذا التأويل وما قبله لأن ما يقع في السكر لا وعيد عليه وكذا طلب المعاش، وانظر هل يصح أن يقال: إن الأمر من باب حسنات الأبرار

<<  <  ج: ص:  >  >>