غير مخالفة له أصلا فيستحضر أنك لم تسمع ذلك من أحد ولم تستفده من كتاب فلا طريق لعلمك به إلا من جهة الوحي وهو مدار النبوة.
وفي ذلك من تقرير ما سبق من كون الكل لله سبحانه، واختصاص؟؟؟ العزة به تعالى، وانتفاء الخوف على أوليائه وحزنهم، وتشجيع النبي صلّى الله عليه وسلم وحمله على عدم المبالاة بهم وبأقوالهم وأفعالهم ما لا يخفى، والاقتصار على بعض ذلك قصور وقد تقدم الكلام في نوح عليه السلام إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اللام للتبليغ أو للتعليل وإِذْ بدل من نَبَأَ بدل اشتمال أو معمولة له لا- لاتل- لفساد المعنى، وجوز أبو البقاء تعلقه بمحذوف وقع حالا من نَبَأَ وأيّا ما كان فالمراد بعض نبئه عليه الصلاة والسلام لا كل ما جرى بينه وبين قومه وكانوا على ما قال الأجهوري من بني قابيل يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ أي عظم وشق عَلَيْكُمْ مَقامِي أي نفسي على أنه في الأصل اسم مكان وأريد منه النفس بطريق الكناية الإيمائية كما يقال المجلس السامي، ويجوز أن يكون مصدرا ميميا بمعنى الإقامة يقال: قمت بالمكان وأقمت بمعنى أي إقامتي بين ظهرانيكم مدة مديدة، وكونها ما ذكر الله تعالى ألف سنة إلا خمسين عاما يقتضي أن يكون القول في آخر عمره ومنتهى أمره ويحتاج ذلك إلى نقل، أو المراد قيامه بدعوتهم وقريب منه قيامه لتذكيرهم ووعظهم لأن الواعظ كان يقوم بين من يعظهم لأنه أظهر وأعون على الاستماع كما يحكى عن عيسى عليه السلام أنه كان يعظ الحواريين قائما وهم قعود، وكثيرا ما كان نبينا صلّى الله عليه وسلم يقوم على المنبر فيعظ الجماعة وهم قعود فيجعل القيام كناية أو مجازا عن ذلك أو هو عبارة عن ثبات ذلك وتقرره وَتَذْكِيرِي إياكم بِآياتِ اللَّهِ الدالة على وحدانيته المبطلة لما أنتم عليه من الشرك فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ لا على غيره، والجملة جواب الشرط وهو عبارة عن عدم مبالاته والتفاته إلى استثقالهم، ويجوز أن تكون قائمة مقامه، وقيل: الجواب محذوف وهذا عطف عليه أي فافعلوا ما شئتم، وقيل: المراد الاستمرار على تخصيص التوكل به تعالى، ويجوز أن يكون المراد إحداث مرتبة مخصوصة من مراتب التوكل وإلا فهو عليه السلام متوكل عليه سبحانه لا على غيره دائما، وقوله سبحانه: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ عطف على الجواب المذكور عند الجمهور والفاء لترتيب الأمر بالإجماع على التوكل لا لترتيب نفس الإجماع عليه، وقيل: إنه الجواب وما سبق اعتراض وهو يكون بالفاء. فاعلم فعلم المرء ينفعه. ولعله أقل غائلة مما تقدم لما سمعته مع ما فيه من ارتكاب عطف الإنشاء على الخبر وفيه كلام. و «أجمعوا» بقطع الهمزة وهو كما قال أبو البقاء من أجمعت على الأمر إذا عزمت عليه إلا أنه حذف حرف الجر فوصل الفعل، وقيل: إن أجمع متعد بنفسه واستشهد له بقول الحارث بن حلزة:
أجمعوا أمرهم بليل فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
ونص السدوسي على أن عدم الإتيان بعلى كأجمعت الأمر أفصح من الإتيان بها كأجمعت على الأمر، وقال أبو الهيثم: معنى أجمع أمره جعله مجموعا بعد ما كان متفرقا وتفرقته أن يقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا فإذا عزم فقد جمع ما تفرق من عزمه ثم صار بمعنى العزم حتى وصل بعلى وأصله التعدية بنفسه، ولا فرق بين أجمع وجمع عند بعض، وفرق آخرون بينهما بأن الأول يستعمل في المعاني والثاني في الأعيان فيقال: أجمعت أمري وجمعت الجيش ولعله أكثري لا دائمي، والمراد بالأمر هنا نحو المكر والكيد وَشُرَكاءَكُمْ أي التي زعمتم أنها شركاء لله سبحانه وتعالى، وهو نصب على أنه مفعول معه من الفاعل لأن الشركاء عازمون لا معزوم عليهم، ويؤيد ذلك قراءة الحسن وابن أبي إسحاق وأبي عبد الرحمن السلمي وعيسى الثقفي بالرفع فإن الظاهر أنه حينئذ معطوف على الضمير المرفوع المتصل ووجود الفاصل قائم مقام التأكيد بالضمير المنفصل.