كفر من غير تفصيل، والمنقول عن علم الهدى أبي منصور الماتريدي التفصيل ففي المسألة اختلاف، قيل: والمعول عليه أن الرضا بالكفر من حيث إنه كفر كفر وإن الرضا به لا من هذه الحيثية بل من حيثية كونه سببا للعذاب الأليم أو كونه أثرا من آثار قضاء الله تعالى وقدره مثلا ليس بكفر وبهذا يندفع التنافي بين قولهم: الرضا بالكفر كفر، وقولهم:
الرضا بالقضاء واجب بناء على حمل القضاء فيه على المقضي، وعلى هذا لا يتأتى ما قيل: إن رضا العبد بكفر نفسه كفر بلا شبهة على إطلاقه بل يجري فيه التفصيل السابق في الرضا بكفر الغير أيضا، ومن هذا التحقيق يعلم ما في قولهم: إن من جاءه كافر ليسلم فقال له: اصبر حتى أتوضأ أو أخره يكفر لرضاه بكفره في زمان من النظر، ويؤيده ما
في الحديث الصحيح في فتح مكة أن ابن أبي سرح أتى به عثمان رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله بايعه فكف صلّى الله عليه وسلم يده عن بيعته ونظر إليه ثلاث مرات كل ذلك يأبى أن يبايعه فبايعه بعد الثلاث ثم أقبل صلّى الله عليه وسلم على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ قالوا: وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك فقال عليه الصلاة والسلام: إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة أعين، وقد أخرجه ابن أبي شيبة، وأبو داود. والنسائي. وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص
وهو معروف في السير فإنه ظاهر في أن التوقف مطلقا ليس كما قالوه كفرا فليتأمل.
قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما هو خطاب لموسى وهارون عليهما السلام، وظاهره أن هارون عليه السلام دعا بمثل ما دعا موسى عليه السلام حقيقة لكن اكتفي بنقل دعاء موسى عليه السلام لكونه الرسول بالاستقلال عن نقل دعائه وأشرك بالبشارة إظهارا لشرفه عليه السلام، ويحتمل أنه لم يدع حقيقة لكن أضيفت الدعوة إليه أيضا بناء على أن دعوة موسى في حكم دعوته لمكان كونه تابعا ووزيرا له، والذي تضافرت به الآثار أنه عليه السلام كان يؤمن لدعاء أخيه والتأمين دعاء، فإن معنى آمين استجب وليس اسما من أسمائه تعالى كما يروونه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قيل: ولكونه دعاء استحب الحنفية الإسرار به، وفيه نظر لأن الظاهر أن مدار استحباب الإسرار والجهر ليس كونه دعاء فإن الشافعية استحبوا الجهر به مع أن المشهور عنهم أنهم قائلون أيضا بكونه دعاء، وظاهر كلام بعض المحققين أن إضافة الرب إلى ضمير المتكلم مع الغير في المواقع الثلاثة تشعر بأنه عليه السلام كان يؤمن لدعاء موسى عليه السلام ولا يخفى ما في ذلك الإشعار من الخفاء. وقرىء «دعواتكما» بالجمع ووجهه ظاهر فَاسْتَقِيما فامضيا لأمري واثبتا على ما أنتم عليه من الدعوة وإلزام الحجة ولا تستعجلا فإن ما طلبتماه كائن في وقته لا محالة. أخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: يزعمون أن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة، وأخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله وأخرج الترمذي عن مجاهد أن الدعوة أجيبت بعد أربعين سنة ولم يذكر الزعم وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ بعادات الله تعالى في تعليق الأمور بالحكم والمصالح أو سبيل الجهلة في عدم الوثوق بوعد الله سبحانه، والنهي لا يقتضي صحة وقوع المنهي عنه فقد كثر نهي الشخص عما يستحيل وقوعه منه، ولعل الغرض منه هنا مجرد تأكيد أمر الوعد وإفادة أن في تأخير إنجازه حكما إلهية. وعن ابن عامر أنه قرأ وَلا تَتَّبِعانِّ بالنون الخفيفة المكسورة لالتقاء الساكنين، ووجه ذلك ابن الحاجب بأن لا نافية والنون علامة الرفع، والجملة إما في موضع الحال من الضمير المرفوع في- استقيما- كأنه قيل: استقيما غير متبعين، والجملة المضارعية المنفية- بلا- الواقعة حالا يجوز اقترانها بالواو وعدمه خلافا لمن زعم وجوب عدم الاقتران بالواو إلا أن يقدر مبتدأ، وإما معطوفة على الجملة الطلبية التي قبلها وهي وإن كانت خبرية لفظا إلا أنها طلبية معنى لأن المراد منها النهي كما في قوله تعالى: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الصف: ١١] ولا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [البقرة: ٨٣] والنهي المخرج بصورة الخبر