بذلك على أبلغ وجه- وكان على بابها- والمعنى كان في علم الله تعالى من الكافرين أو كان من القوم الكافرين الذين كانوا في الأرض قبل خلق آدم، وقيل: بمعنى صار وهو مما أثبته بعض النحاة قال ابن فورك: وترده الأصول ولأنه كان الظاهر حينئذ فكان بالفاء ثم إن كفره ليس لترك الواجب كما زعم الخوارج متمسكين بهذه الآية لأنه لا يوجب ذلك في ملتنا على ما دلت عليه القواطع، وإيجابه قبل ذلك غير مقطوع به بل باستقباحه أمر الله تعالى بالسجود لمن يعتقد أنه خير منه وأفضل- كما يدل عليه الإباء والاستكبار- وقال أبو العالية: معنى مِنَ الْكافِرِينَ من العاصين ثم الظاهر أن كفره كان عن جهل بأن استرد سبحانه منه ما أعاره من العلم الذي كان مرتديا به حين كان طاووس الملائكة- وأظافير القضاء إذا حكت أدمت، وقسى القدر إذا رمت أصمت.
وكان سراج الوصل أزهر بيننا ... فهبت به ريح من البين فانطفى
وقيل: عن عناد حمله عليه حب الرئاسة والإعجاب بما أوتي من النفاسة ولم يدر المسكين إنه لو امتثل ارتفع قدره وسما بين الملأ الأسمى فخره ولكن.
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده
وكم أرقت هذه القصة جفونا، وأراقت من العيون عيونا فإن إبليس كان مدة في دلال طاعته يختال في رداء مرافقته ثم صار إلى ما ترى وجرى ما به القلم جرى.
وكنا وليلى في صعود من الهوى ... فلما توافينا ثبت وزلّت
ومن هنا قال الشافعية والأشعرية- وبقولهم أقول- في هذه المسألة: إن العبرة بالإيمان الذي يوافي العبد عليه ويأتي متصفا به في آخر حياته وأول منازل آخرته، ولذا يصح أنا مؤمن إن شاء الله تعالى بالشك، ولكن ليس في الإيمان الناجز بل في الإيمان الحقيقي المعتبر عند الموت وختم الأعمال. وقد صح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه- كما أورده الزرقاني- إن من تمام إيمان العبد أن يستثني إذ عواقب المؤمنين مغيبة عندهم وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ [الإنعام:
١٨، ٦١]
وفي الصحيح عن جابر «كان صلّى الله عليه وسلّم يكثر من قوله يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك»
وخبر «من قال أنا مؤمن إن شاء الله تعالى فليس له من الإسلام نصيب»
موضوع باتفاق المحدثين، وأنا مؤمن بغيره إن شاء الله تعالى، هذا واعلم أن الذي تقتضيه هذه الآية الكريمة، وكذا التي في الأعراف، وبني إسرائيل، والكهف، وطه أن سجود الملائكة ترتب على الأمر التنجيزي الوارد بعد خلقه، ونفخ الروح فيه، وهو الذي يشهد له النقل والعقل إلا أن ما في- الحجر- من قوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [الحجر: ٢٨، ٣٠] وكذا ما في- ص- تستدعي ظاهرا ترتبه على ما فيها من الأمر التعليقي من غير أن يتوسط بينهما شيء غير الخلق وتوابعه، وبه قال بعضهم، وحمل ما في تلك الآيات من الأمر على حكاية الأمر التعليقي بعد تحقق المعلق به إجمالا فإنه حينئذ يكون في حكم التنجيز، و «ثم» في آية- الأعراف- للتراخي الرتبي، أو التراخي في الأخبار، أو يقال: إن الأمر التعليقي لما كان قبل تحقق المعلق به بمنزلة العدم في عدم إيجاب المأمور به جعل كأنه إنما حدث بعد تحققه، فحكي على صورة التنجيز، ولما رأى بعضهم أن هذا مؤد إلى أن ما جرى في شأن الخلافة- وما قالوا: وما سمعوا- إنما جرى بعد السجود المسبوق بمعرفة جلالة قدره عليه السلام، وخروج إبليس من البين باللعن، وبعد مشاهدتهم لكل ذلك وهو خرق لقضية النقل بل خرق في العقل اضطر إلى القول بأن السجود كان مرتين، وهيهات لا يصلح العطار ما أفسد الدهر، فالحق الحقيق ما دلت عليه هاتيك الآيات، وما استدل به المخالف لا ينتهض دليلا لأن الشرط إن كان قيدا للجزاء كان معناه على تقدير