المجتهدين على عدم القبول ومستندهم فيه الكتاب والسنة، وما ينقل عن الإمام مالك من القبول لم يثبت عند المطلعين على أقوال المجتهدين واختلافاتهم. نعم صرح الإمام القاضي عبد الصمد من ساداتنا الحنفية في تفسيره بأن مذهب الصوفية أن الإيمان ينتفع به ولو عند معاينة العذاب، وهذا الإمام متقدم على الشيخ الأكبر قدس سره بنحو مائة سنة، وحينئذ تشكل حكاية الإجماع إلا أن يقال: بعدم تسليم صحة ذلك عن الصوفية الذين هم من أهل الاجتهاد المعول عليهم لما فيه من المخالفة للأدلة الظاهرة في عدم النفع فلا يخل ذلك بالإجماع بالإجماع. وفي الزواجر أنه على تقدير التسليم لا يضرنا ذلك في دعوى إجماع الأمة على كفر
فرعون لأنا لم نحكم بكفره لأجل إيمانه عند البأس فحسب بل لما انضم إليه من أنه لم يؤمن بالله تعالى إيمانا صحيحا بل كان تقليدا محضا بدليل قوله: إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ فكأنه اعترف بأنه لا يعرف الله تعالى وإنما سمع من بني إسرائيل أن للعالم إلها فآمن بذلك الإله الذي سمع بني إسرائيل يقرون بوجوده وهذا هو محض التقليد الذي لا يقبل لا سيما من مثل فرعون الذي كان دهريا منكرا لوجود الصانع فإنه لا بد له من برهان قطعي يزيل ما هو عليه من الاعتقاد الخبيث البالغ نهاية القبح والفحش، وأيضا لا بد في إسلام الدهري ونحوه ممن كان قد دان بشيء أن يقر ببطلان ذلك الشيء الذي كفر به فلو قال: آمنت بالذي لا إله غيره لم يكن مسلما، وفرعون لم يعترف ببطلان ما كان كفر به من نفي الصانع وادعاء الإلهية لنفسه الخبيثة، وقوله: إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ لا يدرى ما الذي أراد به فلذا صرح الأئمة بأن آمنت بالذي لا إله غيره لا يحصل الإيمان للاحتمال فكذا ما قاله، وعلى التنزيل فالإجماع منعقد على أن الإيمان بالله تعالى مع عدم الإيمان بالرسول لا يصح فلو سلمنا أن فرعون آمن بالله تعالى إيمانا صحيحا فهو لم يؤمن بموسى عليه السلام ولا تعرض له أصلا فلم يكن إيمانه نافعا، ألا ترى أن الكافر لو قال ألوفا من المرات أشهد أن لا إله إلا الله أو إلا الذي آمن به المسلمون لا يكون مؤمنا حتى يقول وأن محمدا رسول الله.
والسحرة تعرضوا في إيمانهم للإيمان بموسى عليه السلام بقولهم: آمنا برب العالمين رب موسى وهارون فلا يقال:
إن إيمان فرعون طرز إيمانهم لذلك على أن إيمانهم حين آمنوا كان بمعجزة موسى عليه السلام والإيمان بالله تعالى مع الإيمان بمعجزة الرسول إيمان بالرسول فهم آمنوا بموسى عليه السلام بخلاف فرعون فإنه لم يتعرض للإيمان به عليه السلام أصلا بل في ذكره بني إسرائيل دونه مع أنه الرسول العارف بالإله وما يليق به والهادي إلى طريقه إشارة ما إلى بقائه على كفره به. وما ذكره الشيخ الأكبر قدس سره في توجيه آية حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ إلخ خارج عن ذوق الكلام العربي وتجشم تكلف لا معنى له، ويرشدك إلى بعض ذلك أنه قدس سره حمل قوله تعالى: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ إلخ على العتب والبشرى، مع أنه لا يخفى أنه لو صح إيمانه وإسلامه لكان الأنسب بمقام الفضل الذي إليه طمح نظر الشيخ أن يقال له: الآن نقبلك ونكرمك لاستلزام صحة إيمانه رضا الحق عنه ومن وقع له الرضا لا يخاطب بمثل ذلك الخطاب كما لا يخفى على من له وقوف على أساليب كلام العرب ومحاوراتهم، وأيضا كيف يخاطب بمثل ذلك الخطاب كما لا يخفى على من له وقوف على أساليب كلام العرب ومحاوراتهم، وأيضا كيف يخاطب من محا الإيمان عصيانه وإفساده بما هو ظاهر في التأنيب المحض والتقريع الصرف والتوبيخ البحت فما ذلك إلا لإقامة أعظم نواميس الغضب عليه وتذكيره بقبائحه التي قدمها وإعلامه بأنها هي التي منعته عند النطق بالإيمان إلى حيث لا ينفعه وكذا تأويله فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ [غافر: ٨٥] بأن النافع هو الله تعالى مع أن اصطلاح الكتاب والسنة نسبة الأشياء إلى أسبابها إيجابا وسلبا، فإذا قيل: لا ينفع الإيمان فليس معناه الشرعي إلا الحكم عليه بأنه باطل لا يعتد به وأي معنى سوغ تخصيص نفع الله تعالى بهذه الحالة التي هي حالة وقوع العذاب مع النظر إلى ما هو الواقع من أن الله تعالى هو النافع حقيقة في كل وقت ولو نفعهم لما استأصلهم بالعذاب، وقوله تعالى: وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ [غافر: ٧٨] دليل