للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمور دينهم بل كانوا متبعين أمر رسولهم عليه السلام حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ أي إلا بعد ما علموا بقراءة التوراة والوقوف على أحكامها، وقيل: المعنى ما اختلفوا في أمر محمد صلّى الله عليه وسلم إلا بعد ما علموا صدق نبوته بنعوته المذكورة في كتابهم وتظاهر معجزاته، وهو ظاهر على القول الأخير في المراد من بني إسرائيل المبوئين، وأما على القول الأول ففيه خفاء لأن أولئك المبوئين الذين كانوا في عصر موسى عليه السلام لم يختلفوا في أمر نبينا صلّى الله عليه وسلم ضرورة لينسب إليهم ذلك الاختلاف حقيقة، وليس هذا نظير قوله تعالى: وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [الأعراف: ١٤١] الآية ولا قوله سبحانه: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ [البقرة: ٩١] ليعتبر المجاز، وزعم الطبرسي أن المعنى أنهم كانوا جميعا على الكفر لم يختلفوا فيه حتى أرسل إليهم موسى عليه السلام ونزلت التوراة فيها حكم الله تعالى فمنهم من آمن ومنهم من أصر على كفره وليس بشيء أصلا كما لا يخفى إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فيميز بين المحق والمبطل بالإثابة والعقوبة فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ أي في شك ما يسير، والخطاب قيل: له صلّى الله عليه وسلم والمراد إن كنت في ذلك على سبيل الفرض والتقدير لأن الشك لا يتصور منه عليه الصلاة والسلام لانكشاف الغطاء له ولذا عبر- بإن- التي تستعمل غالبا فيما لا تحقق له حتى تستعمل في المستحيل عقلا وعادة كما في قوله سبحانه: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ [الزخرف: ٨١] وقوله تعالى: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ [الأنعام: ٣٥] وصدق الشرطية لا يتوقف على وقوعها كما هو ظاهر والمراد بالموصول القصص، أي إن كنت في شك من القصص المنزلة إليك التي من جملتها قصة فرعون وقومه وأخبار بني إسرائيل فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ فإن ذلك محقق عندهم ثابت في كتبهم حسبما أنزلناه إليك، وخصت القصص بالذكر لأن الأحكام المنزلة إليه عليه الصلاة والسلام ناسخة لأحكامهم مخالفة لها فلا يتصور سؤالهم عنها، والمراد بالكتاب جنسه فيشمل التوراة والإنجيل وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ويؤيده أنه قرىء «الكتب» بالجمع، وفسر الموصول بمن لم يؤمن من أهل الكتاب لأن إخبارهم بما يوافق ما أنزل المترتب على السؤال أجدى في المقصود، وفسره بعضهم بالمؤمنين منهم كعبد الله بن سلام. وتميم الداري ونسب ذلك إلى ابن عباس والضحاك ومجاهد.

وتعقب بأن ابن سلام وغيره إنما أسلموا بالمدينة وهذه السورة مكية، وينبغي أن يكون المراد الاستدلال على حقية المنزل والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة على ما ذكر وأن القرآن مصدق لها، ومحصل ذلك أن الفائدة دفع الشك إن طرأ لأحد غيره صلّى الله عليه وسلم بالبرهان أو وصف أهل الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة نبوته صلّى الله عليه وسلم وتوبيخهم على ترك الإيمان أو تهييج الرسول عليه الصلاة والسلام وزيادة تثبيته، وليس الغرض إمكان وقوع الشك له صلّى الله عليه وسلم أصلا، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام حين جاءته الآية على ما أخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة: «لا أشك ولا أسأل» .

وزعم الزجاج أن إن نافية وقوله سبحانه: فَسْئَلِ جواب شرط مقدر أي ما كنت في شك مما أنزلنا إليك فإن أردت أن تزداد يقينا فاسأل وهو خلاف الظاهر وفيما ذكر غنى عنه، ومثله ما قيل: إن الشك بمعنى الضيق والشدة بما يعاينه صلّى الله عليه وسلم من تعنت قومه وأذاهم أي إن ضقت ذرعا بما تلقى من أذى قومك وتعنتهم فاسأل أهل الكتاب كيف صبر الأنبياء عليهم السلام على أذى قومهم وتعنتهم فاصبر كذلك بل هو أبعد جدا من ذلك، وقيل: الخطاب له صلّى الله عليه وسلم والمراد به أمته أو لكل من يسمع أي إن كنت أيها السامع في شك مما أنزلنا على لسان نبينا إليك فاسأل، أَنْزَلْنا إِلَيْكَ على هذا نظير قوله سبحانه: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً [النساء: ١٧٤] وفي جعل القراءة صلة الموصول إشارة إلى أن الجواب لا يتوقف على أكثر منها، وفي الآية تنبيه على أن من خالجته شبهة في الدين ينبغي له

<<  <  ج: ص:  >  >>