للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متعلقة بكلا، والمراد بها العموم لقرينة المقام وعدم المرجح أي أي مكان من الجنة شِئْتُما وأباح لهما الأكل كذلك إزاحة للعذر في التناول مما حظر. ولم تجعل متعلقة ب اسْكُنْ، لأن عموم الأمكنة مستفاد من جعل- الجنة- مفعولا به له، مع أن التكريم في الأكل من كل ما يريد منها لا في عدم تعيين السكنى ولأن قوله تعالى في آية أخرى:

فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما [الأعراف: ١٩] يستدعي ما ذكرنا، وكذا قوله سبحانه:

وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ ظاهر هذا النهي التحريم، والمنهي عنه الأكل من الشجرة، إلا أنه سبحانه نهى عن قربانها مبالغة، ولهذا جعل جل شأنه العصيان المرتب على الأكل مرتبا عليه، وعدل عن فتأثما إلى التعبير بالظلم الذي يطلق على الكبائر، ولم يكتف بأن يقول: ظالمين، بل قال: مِنَ الظَّالِمِينَ بناء على ما ذكروا أن قولك: زيد من العالمين، أبلغ من زيد عالم لجعله غريقا في العلم أبا عن جد، وإن قلنا بأن فَتَكُونا دالة على الدوام ازدادت المبالغة، ومن الناس من قال: لا تقرب- بفتح الراء- نهي عن التلبس بالشيء- وبضمها- بمعنى لا تدن منه، وقال الجوهري: قرب- بالضم- يقرب قربا دنا وقربته- بالكسر- قربانا دنوت منه. والتاء في الشَّجَرَةَ للوحدة الشخصية- وهو اللائق بمقام الإزاحة- وجاز أن يراد النوع، وعلى التقديرين- اللام- للجنس- كما في الكشف- ووقع خلاف في هذه الشجرة، فقيل: الحنطة، وقيل: النخلة،

وقيل: شجرة الكافور- ونسب إلى علي كرم الله تعالى وجهه-

وقيل: التين، وقيل: الحنظل، وقيل: شجرة المحبة، وقيل: شجرة الطبيعة والهوى «وقيل، وقيل ... » والأولى عدم القطع والتعيين- كما أن الله تعالى لم يعينها باسمها في الآية- ولا أرى ثمرة في تعيين هذه الشجرة- ويقال: فيها شجرة- بكسر الشين- وشيرة- بإبدال الجيم ياء مفتوحة مع فتح الشين وكسرها- وبكل قرأ بعض، وعن أبي عمرو أنه كره- شيرة- قائلا: إن برابر مكة وسودانها يقرؤون بها- ولا يخفى ما فيه، والشجر ما له ساق أو كل ما تفرع له أغصان وعيدان، أو أعم من ذلك لقوله تعالى: شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ [الصافات: ١٤٦] وقوله تعالى: فَتَكُونا إما مجزوم- بحذف النون- معطوفا على تَقْرَبا فيكون منهيا عنه وكان على أصل معناها، أو منصوب على أنه جواب للنهي كقوله سبحانه: وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ [طه: ٨١] والنصب بإضمار «أن» عند البصريين- وبالفاء نفسها- عند الجرمي، وبالخلاف عند الكوفيين- وكان- حينئذ بمعنى صار، وأيّا ما كان من تفهم سببية ما تقدم لكونها مِنَ الظَّالِمِينَ أي الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعصية أو نقصوا حظوظهم بمباشرة ما يخل بالكرامة والنعيم أو تعدوا حدود الله تعالى، ولعل القربان المنهي عنه الذي يكون سببا للظلم المخل بالعصمة هو ما لا يكون مصحوبا بعذر- كالنسيان هنا مثلا- المشار إليه بقوله تعالى: فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: ١١٥] فلا يستدعي حمل النهي على التحريم، والظلم- المقول بالتشكيك على ارتكاب المعصية عدم عصمة آدم عليه السلام- بالأكل المقرون بالنسيان- وإن ترتب عليه ما ترتب- نظرا إلى أن حسنات الأبرار سيئات المقربين- وللسيد أن يخاطب عبده بما شاء، نعم لو كان ذلك غير مقرون بعذر كان ارتكابه حينئذ مخلا- ودون إثبات هذا خرط القتاد- فإذا لا دليل في هذه القصة على عدم العصمة، ولا حاجة إلى القول إن ما وقع كان قبل النبوة لا بعدها- كما يدعيه المعتزلة- القائلون بأن ظهوره مع علمه بالأسماء معجزة على نبوته إذ ذاك. وصدور الذنب قبلها جائز عند أكثر الأصحاب- وهو قول أبي هذيل وأبي علي من المعتزلة- ولا إلى حمل النهي على التنزيه والظلم على نقص الحظ مثلا- والتزمه غير واحد- وقرىء تَقْرَبا- بكسر التاء- وهي لغة الحجازيين، وقرأ ابن محيصن «هذي» بالياء فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها أي حملهما على الزلة بسببها، وتحقيقه أصدر زلتهما عنها وعن هذه مثلها في قوله تعالى: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ [التوبة: ١١٤] والضمير على هذا للشجرة، وقيل: أزلهما أي أذهبهما، ويعضده قراءة حمزة فأزالهما وهما

<<  <  ج: ص:  >  >>