للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا وبالواو هاهنا وفي قصة عاد حيث قيل: وَلَمَّا جاءَ إلخ لأنه قد سبق هناك سابقة الوعد بقوله سبحانه:

ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود: ٦٥] وقوله تعالى: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ [هود: ٨١] وهو يجري مجرى السبب المقتضي لدخول الفاء في معلوله، وأما هاهنا. وفي قصة عاد فلم يسبق مثل ذلك بل ذكر مجيء العذاب على أنه قصة بنفسه وما قبله قصة أخرى لكنهما متعلقان بقوم واحد فهما متشاركان من وجه مفترقان من آخر، وذلك مقام الواو كذا قيل.

وتعقب بأن في الكلام هاهنا ذكر الوعد أيضا، وهو قوله سبحانه: يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إلى قوله عز وجل: رَقِيبٌ غاية الأمر أنه لم يذكر بلفظ الوعد ومثله لا يكفي في الفرق، وقيل: إن ذكر الفاء في الموضعين لقرب عذاب قوم صالح ولوط للوعد المذكور فإن بين الأولين والعذاب ثلاثة أيام وبين الآخرين وبينه ما بين قول الملائكة إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ والصبح: وهي سويعات يسيرة. ولا كذلك عذاب قومي شعيب وهود عليهما السلام بل في قصة قوم شعيب عليه السلام ما يشعر بعدم تضييق زمان مجيء العذاب بناء على الشائع في استعمال سَوْفَ على أن من أنصف من نفسه لم يشك في الفرق بين الوعد في قصتي صالح ولوط عليهما السلام. والوعد في غيرهما، فإن الإشعار بالمجيء فيهما ظاهر فحسن تفريعه بالفاء ولا كذلك في غيرهما كذا قيل، وفيه ما لا يخفى، ولعل الاقتصار على التفرقة بالقرب وعدمه أقل غائلة مما قيل، وكذا مما يقال: من أن الإتيان بالفاء- لتقدم الوعد وتركها وإن كان هناك وعد للإشارة إلى سوء حال أولئك القومين ومزيد فظاعته حتى أن العذاب حل بهم لا لسبب سبق الوعد بل لمجرد ظلمهم وكأن وجه اعتبار ذلك فيهم دون قومي لوط وصالح عليهما السلام أنهم امتازوا عنهم برمي ذينك النبيين بالجنون ومشافهتهما بما لم يشافه به كل من قومي صالح ولوط نبيه فيما قص عنهما في هذه السورة الكريمة فإن في ذلك ما لا يكاد يخفى عليك فتدبر وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا عدل عن الضمير تسجيلا عليهم بالظلم وإشعارا بالعلية أي وأخذت أولئك الظالمين بسبب ظلمهم الذي فصل الصَّيْحَةُ قيل: صاح بهم جبريل عليه السلام فهلكوا وكانت صيحة على الحقيقة، وجوز البلخي أن يكون المراد بها نوعا من العذاب، والعرب تقول: صاح بهم الزمان إذا هلكوا، وقال امرؤ القيس:

فدع عنك نهبا «صيح» في حجراته ... ولكن حديث ما حديث الرواحل

والمعول عليه الأول، وقد سبق في [الأعراف: ٧٨، ٩١، ١٥٥] الرَّجْفَةُ أي الزلزلة بدلها، ولعلها كانت من مباديها فلا منافاة، وقيل: غير ذلك فتذكر فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ أي ميتين من جثم الطائر إذا ألصق بطنه بالأرض، ولذا خص الجثمان بشخص الإنسان قاعدا، ثم توسعوا فاستعملوا الجثوم بمعنى الإقامة، ثم استعير من هذا الجاثم للميت لأنه لا يبرح مكانه، ولما لم يجعل متعلق العلم في قوله سبحانه: سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ إلخ نفس مجيء العذاب بل من يجيئه ذلك جعل مجيئه بعد أمرا مسلم الوقوع غنيا عن الإخبار به حيث جعل شرطا، وجعل تنجية شعيب عليه السلام والمؤمنين وإهلاك الكفرة الظالمين جوابا له ومقصود الإفادة، وإنما قدم التنجية اهتماما بشأنها وإيذانا بسبق الرحمة على الغضب قاله شيخ الإسلام، وأصبح- إما ناقصة أو تامة أي صاروا جاثمين، أو دخلوا في الصباح حال كونهم جاثمين كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا أي لم يقيموا فِيها متصرفين في أطرافها متقلبين في أكنافها، والجملة إما خبر بعد خبر أو حال بعد حال.

أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ العدول عن الإضمار إلى الإظهار للمبالغة في تفظيع حالهم وليكون أنسب بمن شبه هلاكهم بهلاكهم، وإنما شبه هلاكهم بهلاكهم لأن عذاب كل كان بالصيحة غير أنه روى الكلبي عن

<<  <  ج: ص:  >  >>