للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهذا عوذ بهما الحسن والحسين ولم يتابعه أحد من الصحابة على ذلك وقد صح أنه صلّى الله عليه وسلم قرأهما في الصلاة، فالظاهر أنهما غير متواترتين قرآنا عنده والقول بأنه إنما أنكر الكتابة وأراد بالكتاب المصحف ليتم التأويل مستبعد جدا بل لا يصح كما لا يخفى، وفي مصحف أبيّ خمس عشرة لأنه كتب في آخره بعد «العصر» سورتي الخلع والحفد وجعل سورة «الفيل وقريش» فيه سورة واحدة وترتيب كل أيضا متغاير ومغاير لترتيب مصحفنا مغايرة لا سترة عليها فسورة «ن» في مصحف ابن مسعود بعد «الذاريات» و «لا أقسم بيوم القيامة» بعد «عم» «والنازعات» بعد «الطلاق» «والفجر» بعد «التحريم» إلى غير ذلك وسورة «بني إسرائيل» في مصحف أبيّ بعد «الكهف» و «الحجرات» بعد «ن» و «تبارك» بعد «الحجرات» «والنازعات» بعد «الواقعة» و «ألم نشرح» بعد «قل هو الله أحد» مع اختلاف كثير يظهر لمن رجع إلى الكتب المتقنة في هذا الباب، وكأن ران البغض غطى على قلب هذا البعض فقال ما قال ولم يتفكر في حقيقة الحال ولم يبال يوقع النبال قاصدا أن يستر بمنخل مختل كذبه نور ذي النورين الساطع عليه من برج شمس الكونين ومن بدر صحبه مع أن نسبة هذا الجمع إليهما من أوضح الأمور بل أشهر من المشهور، وهو شائع أيضا عند الشيعة وليس لهم إلى إنكاره ذريعة ولكن مركب التعصب عثور ومذهب التعسف محذور، وإذا حققت ما ذكرناه ووعيت ما عليك تلوناه فاعلم أن ترتيب آية وسورة بتوقيف من النبي صلّى الله عليه وسلم أما ترتيب الآي فكونه توقيفيا مما لا شبهة فيه حتى نقل جمع منهم الزركشي (١) وأبو جعفر (٢) الإجماع عليه من غير خلاف بين المسلمين والنصوص متظافرة على ذلك.

وما يدل بظاهره من الآثار على أنه اجتهادي معارض ساقط عن درجة الاعتبار كالخبر الذي أخرجه ابن أبي داود بسنده عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ووعيتهما فقال عمرو أنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا آخر سورة من القرآن فألحقوهما في آخرها- فإنه معارض بما لا يحصى مما يدل على خلافه، بل لابن أبي داود مخرجه خبر يعارضه أيضا فقد أخرج أيضا عن أبيّ أنهم جمعوا القرآن فلما انتهوا إلى الآية التي في سورة براءة ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [التوبة: ١٢٧] ظنوا أن هذا آخر ما نزل فقال أبيّ: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقرأني بعد هذا آيتين لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ [التوبة: ١٢٨] إلى آخر السورة.

وأما ترتيب السور ففي كونه اجتهاديا أو توقيفيا خلاف والجمهور على الثاني (٣) قال أبو بكر الأنباري: أنزل الله تعالى القرآن كله إلى سماء الدنيا ثم فرقه في بضع وعشرين فكانت السورة تنزل لأمر يحدث والآية جوابا بالمستخبر فيوقف جبريل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على موضع الآية والسورة، فمن قدم أو أخر فقد أفسد (٤) نظم القرآن وقال الكرماني: ترتيب السور هكذا هو عند الله تعالى في اللوح المحفوظ وعليه كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه وعرض عليه في السنة التي توفي فيها مرتين، وقال الطيبي


(١) في البرهان اهـ منه.
(٢) في المناسبات اهـ منه.
(٣) وهذا آخر قوله اهـ منه.
(٤) وبعضهم استنبط عمر النبي صلّى الله عليه وسلم ثلاثا وستين سنة من قوله في سورة المنافقين وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها فإنها رأس ثلاث وستين سورة وعقبها بالتغابن للإشارة إلى ظهور التغابن بعد فقده صلّى الله عليه وسلم اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>