تعرض للاجتباء من باب الاكتفاء كما قيل فإن إتمام النعمة يقتضي سابقة النعمة المستدعية للاجتباء لا محالة ومعرفته عليه السلام لما أخبر به مما لم تدل عليه الرؤيا إما بفراسة، وكثيرا ما تصدق فراسة الوالد بولده كيفما كان الوالد، فما ظنك بفراسته إذا كان نبيا أو بوحي؟ وقد يدعي أنه استدل بالرؤيا على كل ذلك إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ بكل شيء فيعلم من يستحق المذكورات حَكِيمٌ فاعل لكل شيء حسبما تقتضيه الحكمة فيفعل ما يفعل جريا على سنن علمه وحكمته، والجملة استئناف لتحقيق الجمل المذكورة.
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ [يوسف: ٢٢] أي في قصصهم، والظاهر أن المراد بالإخوة هنا ما أريد بالإخوة فيما مرّ، وذهب جمع إلى أنهم هناك بنو علاته، وجوز أن يراد بهم هاهنا ما يشمل من كان من الأعيان لأن لبنيامين أيضا حصة من القصة، ويبعده على ما قيل: قالُوا الآتي آياتٌ علامات عظيمة الشأن دالة على عظيم قدرة الله تعالى القاهرة وحكمته الباهرة لِلسَّائِلِينَ لكل من سأل عن قصتهم وعرفها، أو للطالبين للآيات المعتبرين بها فإنهم الواقفون عليها المنتفعون بها دون من عداهم ممن اندرج تحت قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ [يوسف: ١٠٥] فالمراد بالقصة نفس المقصوص، أو على نبوته عليه الصلاة والسلام الذين سألوه عن قصتهم حسبما علمت في بيان سبب النزول فأخبرهم صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك على ما هو عليه من غير سماع من أحد ولا قراءة كتاب، فالمراد بالقصة اقتصاصها، وجمع- الآيات- حينئذ قيل: للإشعار بأن اقتصاص كل طائفة من القصة آية بينة كافية في الدلالة على نبوته صلى الله تعالى عليه وسلّم، وقيل:
لتعدد جهة الإعجاز لفظا ومعنى، وزعم بعض الجلة أن الآية من باب الاكتفاء، والمراد آياتٌ للذين يسألون والذين لا يسألون، ونظير ذلك قوله سبحانه: سَواءً لِلسَّائِلِينَ [فصلت: ١٠] وحسن ذلك لقوة دلالة الكلام على المحذوف، وقال ابن عطية: إن المراد من السائلين الناس إلّا أنه عدل عنه تحضيضا على تعلم مثل هذه القصة لما فيها من مزيد العبر، وكلا القولين لا يخلو عن بعد.
وقرأ أهل مكة وابن كثير ومجاهد- آية- على الإفراد، وفي مصحف أبي- عبرة للسائلين- إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ بنيامين وتخصيصه بالإضافة لاختصاصه بالأخوة من جانبي الأم والأب وهي أقوى من الأخوة من أحدهما، ولم يذكروه باسمه إشعارا بأن محبة يعقوب عليه السلام له لأجل شقيقه يوسف عليه السلام، ولذا لم يتعرضوه بشيء مما أوقع بيوسف عليه السلام واللام للابتداء، ويوسف- مبتدأ وَأَخُوهُ عطف عليه، وقوله سبحانه: أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا خبر ومتعلق به وهو أفعل تفضيل من المبني للمفعول شذوذا ولذا عدي بإلى حسبما ذكروا من أن أفعل من الحب والبغض يعدى إلى الفاعل معنى بإلى وإلى المفعول باللام، وفي تقول: زيد أحب إلي من بكر إذا كنت تكثر محبته ولي وفيّ إذا كان يحبك أكثر من غيره، ولم يثن مع أن المخبر عنه به اثنان لأن أفعل من كذا لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه ولا بين المذكر وما يقابله بخلاف أخويه فإن الفرق واجب في المحلى جائز في المضاف إذا أريد تفضيله على المضاف إليه وإذا أريد تفضيله مطلقا فالفرق لازم، وجيء بلام الابتداء لتحقيق مضمون الجملة وتأكيده أي كثرة حبه لهما أمر ثابت لا شبهة فيه وَنَحْنُ عُصْبَةٌ أي والحال إنا جماعة قادرون على خدمته والجد في منفعته دونهما، والعصبة والعصابة على ما نقل عن الفراء: العشرة فما زاد سموا بذلك لأن الأمور تعصب بهم أي تشد فتقوى.
وعن ابن عباس أن العصبة ما زاد على العشرة وفي رواية عنه أنها ما بين العشرة والأربعين، وعن مجاهد أنها من عشرة الى خمسة عشرة.