للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثلاثي منه لا أن له ثلاثيا لازما حتى يتعين كون التفعيل للتعدية فتعديه لازم في الثلاثي وغيره سواء كان رديئا أو فصيحا فتعين أنه للتكثير، وقد قال بذلك غير واحد، فالواهم ابن أخت خالة الموهم فافهم.

وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ أي أسرع فهي اسم فعل أمر مبني على الفتح كأين، وفسرها الكسائي والفراء بتعال، وزعما أنها كلمة حورانية وقعت إلى أهل الحجاز فتكلموا بها وقال أبو زيد: هي عبرانية، وعن ابن عباس والحسن هي سريانية، وقال السدي: هي قبطية.

وقال مجاهد وغيره هي عربية تدعوه بها إلى نفسها (١) وهي كلمة حث وإقبال، واللام للتبيين كالتي في سقيا لك فهي متعلقة بمحذوف أي إرادتي كائنة لك أو أقول لك، وجوز كونها اسم فعل خبري كهيهات، واللام متعلقة بها والمعنى تهيأت لك، وجعلها بعضهم على هذا للتبيين متعلقة بمحذوف أيضا لأن اسم الفعل لا يتعلق به الجار، والتاء مطلقا من بنية الكلمة، وليس تفسيرها بتهيأت لكون الدال على التكلم التاء ليرد أنها وابن أبي إسحاق، وتعقب بأن فيه إطلاق الرب على غيره تعالى فإن أريد به الرب بمعنى الخالق فهو باطل لأنه يمكن أن يطلق نبي كريم على مخلوق ذلك، وإذا أريد به السيد فهو عليه السلام في الحقيقة مملوك له، ومن هنا- وإن كان فيما ذكر نظر ظاهر- اختار في البحر أن الضمير لله تعالى، ورَبِّي خبر إن، وأَحْسَنَ مَثْوايَ خبر ثان، أو هو الخبر، والأول بدل من الضمير أي إنه تعالى خالقي أحسن مثواي بعطف قلب من أمرك بإكرامي عليّ فكيف أعصيه بارتكاب تلك الفاحشة الكبيرة؟ وفيه تحذير لها عن عقاب الله تعالى، وجوز على تقدير أن يكون الرب بمعنى الخالق كون الضمير للشأن أيضا، وأيا ما كان ففي الاقتصار على ذكر هذه الحالة من غير تعرض لاقتضائها الامتناع عما دعته إليه إيذان بأن هذه المرتبة من البيان كافية في الدلالة على استحالته وكونه مما لا يدخل تحت الوقوع أصلا، وقوله تعالى: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ تعليل غب تعليل للامتناع المذكور، والفلاح الظفر وإدراك البغية، وذلك ضربان: دنيوي، وأخروي، فالأول الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء والغنى والعز والثاني أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ولذلك قيل: لا عيش إلّا عيش الآخرة، ومعنى أفلح دخل في الفلاح كأصبح وأخواتها، ولعل المراد به هنا الفلاح الأخروي، وبالظالمين كل من ظلم كائنا من كان فيدخل في ذلك المجازون للإحسان بالإساءة والعصاة لأمر الله تعالى دخولا أوليا، وقيل: الزناة لأنهم ظالمون لأنفسهم، وللمزني بأهله، وقيل: الخائنون لأنهم ظالمون لأنفسهم أيضا ولمن خانوه وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ أي بمخالطته إذ الهمّ- سواء استعمل بمعنى القصد والإرادة مطلقا أو بمعنى القصد الجازم والعقد الثابت كما هو المراد هاهنا، لا يتعلق بالأعيان.

والمعنى أنها قصدت المخالطة وعزمت عليها عزما جازما لا يلويها عنه صارف بعد ما باشرت مباديها وفعلت ما فعلت مما قص الله تعالى، ولعلها تصدت هنالك لأفعال أخر من بسط يدها إليه وقصد المعانقة وغير ذلك مما اضطره عليه السلام إلى الهرب نحو الباب، والتأكيد لدفع ما عسى يتوهم من احتمال إقلاعها عما كانت عليه بما في مقالته عليه السلام من الزواجر وَهَمَّ بِها أي مال إلى مخالطتها بمقتضى الطبيعة البشرية كميل الصائم في اليوم الحار إلى الماء البارد، ومثل ذلك لا يكاد يدخل تحت التكليف لا أنه عليه السلام قصدها قصدا اختياريا لأن ذلك أمر مذموم تنادي الآيات على عدم اتصافه عليه السلام به، وإنما عبر عنه بالهم لمجرد وقوعه في صحبة همها في الذكر بطريق


(١) قال أبو حيان: ولا يبعد اتفاق اللغات في لفظة واحدة، وقد وجد ذلك في كلام العرب مع لغات غيرهم، وقال الجوهري: هوت وهيت به صاح به، ودعاء، ولا يبعد أن يكون مشتقا من اسم الفعل كما اشتقوا من الجمل نحو سبح وحمدل اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>