للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير صادر منهن مجازفة بل عن علم ورأي مع التلويح بأنهن متنزهات عن أمثال ما هي عليه، وصح اللوم على الشغف قيل: لأنه اختياري باعتبار مباديه كما يشير إليه قوله:

مازحته فعشقته ... والعشق أوله مزاح

وإلّا فما ليس باختياري لا ينبغي اللوم عليه كما أشار إليه البوصيري بقوله:

يا لائمي في الهوى العذري معذرة ... مني إليك ولو أنصفت لم تلم

وقيل: اللوم عليه باعتبار الاسترسال معه وترك علاجه فإنهم صرحوا بأن ذلك من جملة الأدواء، وذكروا له من المعالجة ما ذكروا، ومن أحسن ما ذكر له من ذلك تذكر مساوئ المحبوب والتفكر في عواقبه فقد قيل:

لو فكر العاشق في منتهى ... حسن الذي يسبيه لم يسبه

وتمام الكلام في هذا المقام يطلب في محله فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أي باغتيابهن وسوء مقالتهن، وتسمية ذلك مكرا لشبهه له في الإخفاء، وقيل: كانت استكتمتهن سرها فأفشينه وأطلعن على أمرها، وقيل: إنهن قصدن بتلك المقالة إغضابها حتى تعرض عليهن يوسف لتبدي عذرها فيفزن بمشاهدته والمكر على هذين القولين حقيقة أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ تدعوهن، قيل: دعت أربعين امرأة منهن الخمس أو الأربع المذكورات، وروي ذلك عن وهب، والظاهر عود الضمير على تلك النسوة القائلة ما قلن عنها وَأَعْتَدَتْ أي هيأت لَهُنَّ مُتَّكَأً أي ما يتكئن عليه من النمارق والوسائد كما روي عن ابن عباس، وهو من الاتكاء الميل إلى أحد الشقين، وأصله موتكأ لأنه من توكأت فأبدلت الواو تاء وأدغمت في مثلها، وروي عن الحبر أيضا أن المتكأ مجلس الطعام لأنهم كانوا يتكؤون له كعادة المترفين المتكبرين، ولذلك نهي عنه،

فقد أخرج ابن أبي شيبة عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه نهى أن يأكل الرجل بشماله وأن يأكل متكئا،

وقيل: أريد به نفس الطعام قال العتبي: يقال: اتكأنا عند فلان أي أكلنا ومن ذلك قول جميل:

فظللنا بنعمة واتكأنا ... وشربنا الحلال من قلله

وهو على هذا اسم مفعول أي متكئا له أو مصدر أي اتكاء، وعبر بالهيئة التي يكون عليها الآكل المترف عن ذلك مجازا، وقيل: هو من باب الكناية، وعن مجاهد أنه الطعام يحز حزا بالسكين واختلفوا في تعيينه، فقيل: كان لحما وكانوا لا ينهشون اللحم وإنما يأكلونه حزا بالسكاكين، وقيل: كان أترجا، وموزا، وبطيخا، وقيل: الزماورد وهو الرقاق الملفوف باللحم وغيره أو شيء شبيه بالأترج، وأنه إنما سمي ما يقطع بالسكين بذلك لأن عادة من يقطع شيئا أن يعتمد عليه فيكون متكأ عليه، وقرأ الزهري، وأبو جعفر، وشيبة- متكي- مشدد التاء من غير همز بوزن متقي وهو حينئذ إما أن يكون من الاتكاء وفيه تخفيف الهمزة كما قالوا في توضأت: توضيت، أو يكون مفتعلا من أو كيت السقاء إذا شددته بالوكاء والمعنى اعتدت لهن ما يشتد عليه بالاتكاء أو بالقطع بالسكين، وقرأ الأعرج متكئا على وزن مفعلا من تكأ يتكأ إذ اتكأ، وقرأ الحسن، وابن هرمز متكئا بالمد والهمز وهو مفتعل من الاتكاء إلّا أنه أشبع الفتحة فتولدت منها الألف وهو كثير في كلامهم، ومنه قوله:

وأنت من الغوائل حين ترمي ... وعن ذم الرجال بمنتزاح

وقوله:

ينباع من ذفرى عضوب حسرة ... زيافة مثل الفنيق المكرم (١)


(١) ومنه قوله أعوذ بالله من العقراب الشائلات عقد الأذناب اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>