وقوله تعالى: وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ [إبراهيم: ٤٥] أن الفاعل مضمون الجملة أي كثرة إهلاكنا وكيفية فعلنا، وظاهر كلام ابن مالك في شرح التسهيل أن الفاعل في ذلك الجملة لتأويلها بالمفرد حيث قال: وجاز الإسناد في هذا الباب باعتبار التأويل كما جاز في باب المبتدأ نحو سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة: ٦، يس: ١٠] وجمهور النحاة لا يجوزون ذلك كما حقق في موضعه.
واختار المازني في الفاعل الوجه الأول، قيل: وحسن- بدا لهم- بداء- وإن لم يحسن ظهر لهم ظهور لأن البداء قد استعمل في غير المصدرية كما علمت، واختار أبو حيان الوجه الأخير وكونه ضمير السجن السابق على قراءة من فتح السين، باستنزال المرأة لزوجها ومطاوعته لها وحبه إياها وجعله زمام أمره بيدها.
روي أنه عليه السلام لما استعصم عنها ويئست منه قالت للعزيز: إن هذا الغلام العبراني قد فضحني في الناس يخبرهم بأني راودته عن نفسه فأبى ويصف الأمر حسبما يختار، وأنا محبوسة محجوبة فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر إلى الناس وأكذبه، وإما أن تحبسه كما أني محبوسة فحبس
، قال ابن عباس: إنه أمر به عليه السلام فحمل على حمار وضرب معه الطبل ونودي عليه في أسواق مصر أن يوسف العبراني راود سيدته فهذا جزاؤه،
وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما قال أبو صالح: كلما ذكر هذا بكى، وأرادت بذلك تحقيق وعيدها لتلين به عريكته وتنقاد لها قرونته لما انصرمت حبال رجائها عن استتباعه بعرض الجمال بنفسها وبأعوانها.
وقرأ الحسن- لتسجننه- على صيغة الخطاب بأن الخاطب بعضهم العزيز ومن يليه أو العزيز وحده على وجه التعظيم، أو خاطب به العزيز ومن عنده من أصحاب الرأي المباشرين للسجن والحبس حَتَّى حِينٍ قال ابن عباس:
إلى انقطاع المقال وما شاع في المدينة من الفاحشة، وهذا بادي الرأي عند العزيز، وأما عندها فحتى يذلله السجن ويسخره لها ويحسب الناس أنه المجرم، وقيل: الحين هاهنا خمس سنين، وقيل: بل سبع.
وقال مقاتل: إنه عليه السلام حبس اثنتي عشرة سنة، والأولى أن لا يجزم بمقدار، وإنما يجزم بالمدة الطويلة، والحين عند الأكثرين وقت من الزمان غير محدود يقع على القصير منه والطويل، وقد استعمل في غير ذلك كما ذكرناه في شرح القادرية.
وقرأ ابن مسعود- عتى- بإبدال حاء حَتَّى عينا وهي لغة هذيل، وقد أقرأ رضي الله تعالى عنه بذلك إلى أن كتب إليه عمر رضي الله تعالى عنه أن يقرىء بلغة قريش حَتَّى بالحاء وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ غلامان كانا للملك الأكبر الريان بن الوليد: أحدهما خبازه وصاحب طعامه، والآخر ساقيه وصاحب شرابه، وكان قد غضب عليهما الملك بسبب أن جماعة من أشراف مصر أرادوا المكر بالملك واغتياله فضمنوا لهما مالا على أن يسمّاه في طعامه وشرابه فأجابا إلى ذلك، ثم إن الساقي ندم فرجع عن ذلك. وقبل الخباز الرشوة وسمّ الطعام فلما حضر بين يدي الملك قال الساقي: لا تأكل أيها الملك فإن الطعام مسموم فقال للساقي: اشربه فشربه فلم يضره، وقال للخباز: كل من طعامك فأبى فأطعم من ذلك وقال الخباز: لا تشرب فإن الشراب مسموم، لدابة فهلكت فأمر الملك بحبسهما فاتفق أن أدخلا معه السجن، ولعله إنما عبر- بدخل- الظاهر في كون الدخول بالاختيار مع أنه لم يكن كذلك للإشارة على ما قيل: إلى أنهما لما رأيا يوسف هان عليهما أمر السجن لما وقع في قلوبهما من محبته. وهوى كل نفس حيث حل حبيبها. فقد أخرج غير واحد عن ابن إسحاق أنهما لما رأياه قالا له: يا فتى لقد والله أحببناك حين رأيناك، فقال لهما عليه السلام: أنشد كما الله تعالى أن لا تحباني فو الله ما أحبني أحد قط إلّا دخل علي من حبه بلاء، لقد أحبتني عمتي فدخل علي من حبها بلاء، ثم أحبني أبي فدخل علي من حبه بلاء، ثم أحبتني زوجة صاحبي هذا فدخل علي بحبها إياي بلاء فلا تحباني بارك الله تعالى فيكما فأبيا إلّا حبه والله حيث كان، وقيل: عبر بذلك لما أن ذكر مَعَهُ