للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق، وذكروا أنه قال:

والله لقد أخذتها من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هكذا فافهم.

وقال ابن عطية: يجوز أن يكون وصف الخمر بأنها معصورة لأن العصر من أجلها فليس ذلك من مجاز الأول، والمشهور أنه منه كما قال الفراء: مؤنثة وربما ذكرت، وعن السجستاني أنه سمع التذكير ممن يوثق به من الفصحاء، ورأي الحلمية جرت مجرى أفعال القلوب في جواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متحدي المعنى، ولا يجوز ذلك في غير ما ذكر، فلا يقال: أضربني ولا أكرمني، وحاصله أرى نفسي أعصر خمرا وَقالَ الْآخَرُ وهو الخباز واسمه مجلث (١) إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً، وفي مصحف ابن مسعود- ثريدا..

تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ وهذا كما قيل أيضا: تفسير لا قراءة، روي أنه قال: رأيت أني أخرج من مطبخة الملك وعلى رأسي ثلاث سلال فيها خبز والطير تأكل من أعلاه، والخبز معروف، وجمعه أخباز وهو مفعول أَحْمِلُ والظرف متعلق- بأحمل- وتأخيره عنه لما مرّ، وقيل: متعلق بمحذوف وقع حالا منه، وجملة تَأْكُلُ إلخ صفة له أو استئناف مبني على السؤال نَبِّئْنا أي أخبرنا بِتَأْوِيلِهِ بتعبيره وما يؤول إليه أمره، والضمير للرؤيتين بتأويل ما ذكر أو ما رؤي وقد أجري الضمير مجرى ذلك بطريق الاستعارة (٢) فإن اسم الإشارة يشار به إلى متعدد كما مرت الإشارة إليه غير مرة هذا إذا قالاه معا أو قاله أحدهما من جهتهما معا، وأما إذا قاله كل منهما إثر ما قص ما رآه فالمرجع غير متعدد ولا يمنع من هذا الاحتمال صيغة المتكلم مع الغير لاحتمال أن تكون واقعة في الحكاية دون المحكي على طريقة قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ [المؤمنون: ٥١] فإنهم لم يخاطبوا دفعة بل خوطب كل منهم في زمان بصيغة مفردة خاصة به إِنَّا نَراكَ تعليل لعرض رؤياهما عليه واستفسارهما منه عليه السلام أي إنا نعتقدك مِنَ الْمُحْسِنِينَ أي من الذين يحسنون تأويل الرؤيا لما رأياه يقص عليه بعض أهل السجن رؤياه فيؤوّلها لهم تأويلا حسنا، وكان عليه السلام حين دخل السجن قد قال: إني أعبر الرؤيا وأجيد أو من العلماء كما في

قول علي كرم الله تعالى وجهه: قيمة كل امرئ ما يحسنه

وذلك لما سمعاه يذكر للناس ما يدل على علمه وفضله، أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن قتادة قال: لما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم واشتد بلاؤهم وطال حزنهم فجعل يقول: ابشروا واصبروا تؤجروا إن لهذا لأجرا فقالوا: يا فتى بارك الله تعالى فيك ما أحسن وجهك وأحسن خلقك وخلقك لقد بورك لنا في جوارك ما نحب أنا كنا في غير هذا منذ جئتنا لما تخبرنا من الأجر والكفارة والطهارة، فمن أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف بن صفي الله تعالى يعقوب بن ذبيح الله تعالى إسحاق بن خليل الله تعالى إبراهيم فقال له عامل السجن: يا فتى لو استطعت خليت سبيلك ولكن سأحسن جوارك فكن في أي بيوت السجن شئت، أو مِنَ الْمُحْسِنِينَ إلى أهل السجن أي فأحسن إلينا بكشف غمتنا إن كنت قادرا على ذلك، وإلى هذا ذهب الضحاك، أخرج سعيد بن منصور والبيهقي، وغيرهما عنه أنه سئل ما كان إحسان يوسف؟ فقال: كان إذا مرض إنسان في السجن قام عليه، وإذا ضاق عليه مكان أوسع له، وإذا احتاج جمع له قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ في


(١) وقيل: اسم الفتيين راشان ومرطش، وقيل: شبرهم وشرهم اهـ منه. [.....]
(٢) والسر في المصير إلى هذا الإجراء بعد التأويل أن الضمير إنما يتعرض لنفس المرجع من حيث هو من غير تعرض لحال من أحواله فلا ينبغي تأويله بأحد الاعتبارين إلّا بإجرائه مجرى اسم الإشارة الذي يدل على المشار إليه باعتبار الذي جرى عليه الكلام فتأمل، قاله أبو السعود اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>