للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثابت في عدة روايات ما لبث في السجن طول ما لبث وهو لا يدل على المدعى، وروي ابن حاتم عن طاوس والضحاك تفسير البضع هاهنا بأربع عشرة سنة وهو خلاف المعروف في تفسيره، والأولى أن لا يجوز بمقدار معين كما قدمنا، وكون هذا اللبث مسببا عن القول هو الذي تظافرت عليه الأخبار كالخبر السابق والخبر الذي

روي عن أنس قال: «أوحى الله تعالى إلى يوسف عليه السلام من استنقذك من القتل حين هم إخوتك أن يقتلوك، قال: أنت يا رب، قال: فمن استنقذك من الجب إذ ألقوك فيه، قال: أنت يا رب، قال: فمن استنقذك من المرأة إذ همت بك، أنت يا رب، قال: فما بالك نسيتني وذكرت آدميا، قال: يا رب كلمة تكلم بها لساني، قال: وعزتي لأدخلنك في السجن بصع سنين»

وغير ذلك من الأخبار، ولا يشكل على هذا أن الاستعانة بالعباد في كشف الشدائد مما لا بأس به، فقد قال سبحانه: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى [المائدة: ٢] فكيف عوتب عليه السلام في ذلك لأن ذلك ما يختلف باختلاف الأشخاص، واللائق بمناصب الأنبياء عليهم السلام ترك ذلك والأخذ بالعزائم، واختار أبو حيان أن يوسف عليه السلام إنما قال للشرابي ما قال ليتوصل بذلك إلى هداية الملك وإيمانه بالله تعالى كما توصل إلى إيضاح الحق لصاحبيه، وإن ذلك ليس من باب الاستعانة بغير الله تعالى في تفريج كربه وخلاصه من السجن، ولا يخفى أن ذلك خلاف الظاهر، وموجب للطعن في غير ما خبر، نعم إنه اللائق بمنصبه عليه الصلاة والسلام.

وجوز بعضهم كون ضمير- أنساه- ورَبِّهِ عائدين على يوسف عليه السلام، وإنساء الشيطان ليس من الإغواء في شيء بل هو ترك الأولى بالنسبة لمقام الخواص الرافعين للأسباب من البين، وأنت تعلم أن الأول هو المناسب لمكان الفاء، ولقوله تعالى الآتي: واذكر بعد أمة وَقالَ الْمَلِكُ وهو الريان وكان كافرا، ففي إطلاق ذلك عليه دلالة على ما قيل: على جواز تسمية الكافر ملكا، ومنعه بعضهم، وكذا منع أن يقال: له أمير احتجاجا بأنه صلى الله تعالى عليه وسلم كتب إلى هرقل «عظيم الروم» ولم يكتب ملك الروم، أو أميرهم لما فيه من إيهام كونه على الحق، وجعل هذا حكاية اسم مضى حكمه وتصرم وقته، ومثله لا يضر أي قال لمن عنده: إِنِّي أَرى أي رأيت، وإيثار صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ ممتلئات لحما وشحما من سمن كسمع سمانة بالفتح وسمنا كعنبا فهو سامن، وسمين، وذكر أن سمينا وسمينة تجمع على سمان، فهو ككرام جمع كريم وكريمة، يقال: رجال كرام ونسوة كرام يَأْكُلُهُنَّ أي أكلهن، والعدول إلى المضارع لاستحضار الصورة تعجيبا، والجملة حال من البقرات أو صفة لها سَبْعٌ عِجافٌ أي سبع بقرات مهزولة جدا من قولهم: نصل أعجف أي دقيق وهو جمع عجفاء على خلاف القياس، والقياس عجف كحمراء، وحمر فإن فعلاء وأفعل لا يجمع على فعال لكنهم بنوه على سِمانٍ وهم قد يبنون الشيء على ضده كقولهم: عدوة بالهاء لمكان صديقة، وفعول بمعنى فاعل لا تدخله الهاء، وأجرى سِمانٍ على المميز فجر على أنه وصف له، ولم ينصب على أن يكون صفة للعدد المميز لأن وصف تمييزه وصف له معنى، وقد ذكروا أنه إذا وصف التمييز كان التمييز بالنوع وإذا وصف التمييز كان التمييز بالجنس، ولا شك أن الأول أولى وأبلغ لاشتمال النوع على الجنس فهو أزيد في رفع الإبهام المقصود من التمييز، فلهذا رجح ما في النظم الكريم على غيره ولم يقل: سَبْعٌ عِجافٌ بالإضافة، وجعله صفة للتمييز المقدر على قياس ما قبله- لأن التمييز لبيان الجنس والحقيقة والوصف- لا يدل عليه بل على شيء ما له حال وصفة، فلذا ذكروا أن التمييز يكون باسم الجنس الجامد ولا يكون بالوصف المشتق في فصيح الكلام، فتقول: عندي ثلاثة قرشيون ولا تقول قرشيين بالإضافة، وأما قولك: ثلاثة فرسان وخمسة ركبان فلجريان الفارس والراكب مجرى الأسماء لاستعمالها في الأغلب من غير موصوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>