معبر وسفير، ولذا لم يغير (١) لفظ الملك، ويؤذن بهذا قوله: لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ أي إلى الملك ومن عنده، أو إلى أهل البلد فأنبئهم بما أفتيت لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ذلك ويعلمون بمقتضاه، أو يعلمون فضلك ومكانك مع ما أنت فيه من الحال فتتخلص منه، والجملة عند أبي حيان على الأول كالتعليل للرجوع، وعلى الثاني كالتعليل- لأفتنا- وإنما لم بيت القول بل قال: لَعَلِّي ولَعَلَّهُمْ مجاراة معه عليه السّلام على نهج الأدب واحترازا عن المجازفة إذ لم يكن على يقين من الرجوع:
فبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذا هو الرمس تعفوه الأعاصير
ولا من علمهم بذلك فربما لم يعلموه إما لعدم فهمهم أو لعدم اعتمادهم قالَ مستأنف على قياس ما مرّ غير مرة تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً قرأ حفص بفتح الهمزة، والجمهور بإسكانها، وقرىء- دابا- بألف من غير همز على التخفيف، وهو في كل ذلك مصدر- لدأب- وأصل معناه التعب، ويكنى به عن العادة المستمرة لأنها تنشأ من مداومة العمل اللازم له التعب، وانتصابه على الحال من ضمير تَزْرَعُونَ أي دائبين أو ذوي دأب، وأفرد لأن المصدر الأصل فيه الإفراد، أو على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف أي تدأبون دأبا.
والجملة حالية أيضا، وعند المبرد مفعول مطلق- لتزرعون- وذلك عنده نظير قعد القرفصاء وليس بشيء، وقد أول عليه السّلام البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة، فأخبرهم بأنهم يواظبون على الزراعة سبع سنين ويبالغون فيها إذ بذلك يتحقق الخصب الذي هو مصداق البقرات السمان وتأويلها، وقيل: المراد الأمر بالزراعة كذلك، فالجملة خبر لفظا أمر معنى، وأخرج على صورة الخبر مبالغة في إيجاب إيجاده حتى كأنه وقع وأخبر عنه، وأيد بأن قوله تعالى: فَما حَصَدْتُمْ أي في كل سنة.
فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ ولا تذروه كيلا يأكله السوس كما هو شأن غلال مصر ونواحيها إذا مضى عليها نحو عامين، ولعله استدل على ذلك بالسنبلات الخضر يناسب كونه أمرا مثله، قيل: لأنه لو لم يؤول ذلك بالأمر لزم عطف الإنشاء على الخبر لأن- ما- إما شرطية أو موصولة متضمنة لمعنى الشرط، وعلى كل حال فلكون الجزء إنشاء تكون إنشائية معطوفة على خبرية.
وأجيب بأنا لا نسلم أن الجملة الشرطية التي جوابها إنشائي إنشائية، ولو سلم فلا نسلم العطف بل الجملة مستأنفة لنصحهم وإرشادهم إلى ما ينبغي أن يفعلوه حيث لم يكن معتادا لهم كما كان الزرع كذلك، أو هي جواب شرط مقدر أي إن زرعتم فَما حَصَدْتُمْ إلخ، وأيضا يحتمل الأمر عكس ما ذكروه بأن يكون ذروه بمعنى تذروه، وأبرز في صورة الأمر لأنه بإرشاده فكأنهم أمرهم به، والتحقيق ما في الكشف من أن الأظهر أن تَزْرَعُونَ على أصله لأنه تأويل المنام بدليل قوله الآتي: ثُمَّ يَأْتِي وقوله: فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ اعتراض اهتماما منه عليه السّلام بشأنهم قبل تتميم التأويل، وفيه ما يؤكد أمر السابق واللاحق كأنه قد كان فهو يأمرهم بما فيه صلاحهم وهذا هو النظم المعجز انتهى.
وذكر بعضهم أن- ما حصدتم- إلخ على تقدير كون تَزْرَعُونَ بمعنى ازرعوا داخل في العبارة فإن أكل السبع العجاف السبع السمان وغلبة السنبلات اليابسات الخضر دال على أنهم يأكلون في السنين المجدبة ما حصل في السنين المخصبة، وطريق بقائه تعلموه من يوسف عليه السّلام فبقي لهم في تلك المدة، وقيل: إن تزرعون
(١) قيل: لم يغير لفظ الملك لأن التعبير يكون على وفقه فافهم اهـ منه. [.....]