أخرج الحكيم الترمذي عن وهب قال: أصابت امرأة العزيز حاجة فقيل لها: لو أتيت يوسف بن يعقوب فسألتيه فاستشارت الناس في ذلك فقالوا: لا تفعلي فإنا نخافه عليك قالت: كلا إني لا أخاف ممن يخاف الله تعالى فأدخلت عليه فرأته في ملكه فقالت: الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكا بطاعته ثم نظرت إلى نفسها فقالت: الحمد لله الذي جعل الملوك عبيدا بمعصيته فقضى لها جميع حوائجها ثم تزوجها فوجدها بكرا الخبر.
وفي رواية أنها تعرضت له في الطريق فقالت ما قالت فعرفها فتزوجها فوجدها بكرا وكان زوجها عنينا،
وشاع عند القصاص أنها عادت شابة بكرا إكراما له عليه السلام بعد ما كانت ثيبا غير شابة، وهذا مما لا أصل له، وخبر تزوجها أيضا مما لا يعول عليه عند المحدثين وعلى فرض ثبوت التزوج فظاهر خبر الحكيم أنه إنما كان بعد تعيينه عليه السلام لما عين له من أمر الخزائن، قيل: ويعرب عنه قوله تعالى:
قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ أي أرض مصر، وفي معناه قول بعضهم أي أرضك التي تحت تصرفك، وقيل: أراد بالأرض الجنس وبخزائنها الطعام الذي يخرج منها، وعَلى متعلقة على ما قيل- بمستول- مقدر، والمعنى ولني على أمرها من الإيراد والصرف إِنِّي حَفِيظٌ لها ممن لا يستحقها عَلِيمٌ بوجوه التصرف فيها، وقيل: بوقت الجوع، وقيل: حفيظ للحساب عليم بالألسن، وفيه دليل على جواز مدح الإنسان نفسه بالحق إذا جهل أمره، وجواز طلب الولاية إذا كان الطالب ممن يقدر على إقامة العدل وإجراء أحكام الشريعة وإن كان من يد الجائر أو الكافر، وربما يجب عليه الطلب إذا توقف على ولايته إقامة واجب مثلا وكان متعينا لذلك، وما
في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن سمرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الرحمن لا تسأل الأمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها»
وارد في غير ما ذكر. وعن مجاهد أنه أسلم الملك على يده عليه السلام، ولعل إيثاره عليه السلام لتلك الولاية خاصة إنما كان للقيام بما هو أهم أمور السلطنة إذ ذاك من تدبير أمر السنين لكونه من فروع تلك الولاية لا لمجرد عموم الفائدة كما قيل.
وجاء في رواية أن الملك لما كلمه عليه السلام وقص رؤياه وعبرها له قال: ما ترى أيها الصديق؟ قال: تزرع في سني الخصب زرعا كثيرا فإنك لو زرعت فيها على حجر نبت وتبني الخزائن وتجمع فيها الطعام بقصبه وسنبله فإنه أبقى له ويكون القصب علفا للدواب فإذا جاءت السنون بعت ذلك فيحصل لك مال عظيم، فقال الملك: ومن لي بهذا ومن يجمعه ويبيعه لي ويكفيني العمل فيه؟ فقال: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إلخ،
والظاهر أنه أجابه لذلك حين سأله، وإنما لم يذكر إجابته له عليه السلام إيذانا بأن ذلك أمر لا مرد له غني عن التصريح به لا سيما بعد تقديم ما تندرج تحته أحكام السلطنة جميعها.
وأخرج الثعلبي عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله تعالى أخي يوسف لو لم يقل: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ لاستمله من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة»
ثم إنه كما
روي عن ابن عباس وغيره توجه وختمه بخاتمه ورداه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت طوله ثلاثون ذراعا وعرضه عشرة أذرع ووضع عليه الفرش وضرب عليه حلة من إستبرق فقال عليه السلام: أما السرير فأشد به ملكك وأما الخاتم فأدبر به أمرك وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي فقال: قد وضعته إجلالا لك وإقرارا بفضلك، فجلس على السرير ودانت له الملوك وفوض إليه الملك أمره وأقام العدل بمصر وأحبته الرجال والنساء، وباع من أهل مصر في سني القحط الطعام في السنة الأولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق منها شيء، وفي الثانية بالحلي والجواهر، وفي الثالثة بالدواب والمواشي، وفي الرابعة بالعبيد والجواري، وفي الخامسة بالضياع والعقار، وفي السادسة بالأولاد، وفي السابعة بالرقاب حتى استرقهم جميعا وكان ذلك مما يصح في شرعهم. فقالوا: ما رأينا كاليوم ملكا أجل وأعظم منه.