للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متمكنين من تحصيله فكأنهم قالوا: هذه بضاعتنا حاضرة فنستظهر بها ونمير أهلنا ونحفظ أخانا من المكروه ونزداد بسببه غير ما نكتاله لأنفسنا كيل بعير فأي شيء نبغي وراء هذه المباغي، وما ذكرنا من العطف على المقدر هو المشهور. وفي الكشف لك أن تقول: إن نَمِيرُ وما تلاه معطوف على مجموع ما نَبْغِي والمعنى اجتماع هذين القولين منهم في الوجود ولا يحتاج إلى جامع وراء ذلك لكونهما محكيين قولا لهم على أنه حاصل لاشتراك الكل في كونه لاستنزال يعقوب عليه السلام عن رأيه وأن الملك إذا كان محسنا كان الحفظ أهون شيء، والاستفهام لرجوعه إلى النفي لا يمنع العطف ووافقه في ذلك بعضهم.

وقرأ ابن مسعود وأبو حيوة

«ما تبغي» بتاء الخطاب وروت عائشة رضي الله تعالى عنها ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم،

والخطاب ليعقوب عليه السلام، والمعنى أي شيء وراء هذه المباغي المشتملة على سلامة أخينا وسعة ذات أيدينا أو وراء ما فعل معنا الملك من الإحسان داعيا إلى التوجه إليه، والجملة المستأنفة موضحة أيضا لذلك أو أي شيء تبغي شاهدا على صدقنا فيما وصفنا لك من إحسانه، والجملة المذكورة عبارة عن الشاهد المدلول عليه بفحوى الإنكار، ويحتمل أن تكون ما نافية ومفعول نَبْغِي محذوف أن ما نبغي شيئا غير ما رأيناه من احسان الملك في وجوب المراجعة إليه أو ما نبغي غير هذه المباغي، والقول بأن المعنى ما نبغي منك بضاعة أخرى نشتري بها ضعيف، والجملة المستأنفة على كل تقدير تعليل للنفي، وأما إذا فسر البغي بمجاوزة الحد- فما- نافية فقط، والمعنى ما نبغي في القول ولا نكذب فيما وصفنا لك من إحسان الملك إلينا وكرمه الموجب لما ذكر، والجملة المستأنفة لبيان ما ادعوا من عدم البغي، وقوله: وَنَمِيرُ إلخ عطف على ما نَبْغِي أي لا نبغي فيما نقول ونمير ونفعل كيت وكيت فاجتمع أسباب الإذن في الإرسال، والأول كالتمهيد والمقدمة للبواقي والتناسب من هذا الوجه لأن الكل متشاركة في أن المطلوب يتوقف عليها بوجه ما، على أنه لو لم يكن غير الاجتماع في المقولية لكفى على ما مر آنفا عن الكشف.

وجوز (١) كونه كلاما مبتدأ أي جملة تذييلية اعتراضية كقولك: فلان ينطبق بالحق والحق أبلج كأنه قيل:

وينبغي أن نمير، ووجه التأكيد الذي يقتضيه التذييل أن المعنى إن الملك محسن ونحن محتاجون ففيم التوقف في الإرسال وقد تأكد موجباه؟، وقال العلامة الطيبي: إنما صح التأكيد والتذييل لأن الكلام في الامتيار وكل من الجمل بمعناه أو المعنى ما نَبْغِي في الرأي وما نعدل عن الصواب فيما نشير به عليك من إرسال أخينا معنا، والجمل كلها للبيان أيضا إلا أن ثم محذوفا ينساق إليه الكلام أي بضاعتنا حاضرة نستظهر بها ونمير أهلنا ونصنع كيت وذيت وهو على ما قيل: وجه واضح حسن يلائم ما كانوا فيه مع أبيهم فتأمل هذا. وقرأت عائشة وأبو عبد الرحمن السلمي «ونمير» بضم النون، وقد جاء مار عياله وأمارهم بمعنى كما في القاموس.

قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ بعد أن عاينت منكم ما أجرى المدامع حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ أي حتى تعطوني ما أتوثق به من جهته، فالموثق مصدر ميمي بمعنى المفعول، وأراد عليه السلام أن يحلفوا له بالله تعالى وإنما جعل الحلف به سبحانه موثقا منه لأنه مما تؤكد العهود به وتشدد وقد أذن الله تعالى بذلك فهو إذن منه تعالى شأنه لَتَأْتُنَّنِي بِهِ جواب قسم مضمر إذ المعنى حتى تحلفوا بالله وتقولوا والله لنأتينك به.

وفي مجمع البيان نقلا عن ابن عباس أنه عليه السلام طلب منهم أن يحلفوا بمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين،

والظاهر عدم صحة الخبر. وذكر العمادي أنه عليه السلام قال لهم: قولوا بالله رب محمد صلى الله عليه وسلم لنأتينك به


(١) فيه رد على صاحب الفرائد حيث غفل عن ذلك فقال رادا على هذا التجويز: إن الواو لا تصلح في الابتداء والتزم العطف اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>