وقيل: ما موصولة ومحلها من الأعراب ما تقدم من الرفع أو النصب وجملة فَرَّطْتُمْ صلتها والعائد محذوف، والتفريط بمعنى التقديم من الفرط لا بمعنى التقصير أي ما قدمتموه من الجناية.
وأورد عليه أنه يكون قوله تعالى: مِنْ قَبْلُ تكرار فإن جعل خبرا يكون الكلام غير مفيد وإن جعل متعلقا بالصلة يلزم مع التكرار تقديم متعلق الصلة على الموصول وهو غير جائز، وقيل: ما نكرة موصوفة ومحلها ما تقدم وفيه ما فيه فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ مفرع على ما ذكره وذكر به و «برح» تامة وتستعمل إذا كانت كذلك بمعنى ذهب وبمعنى ظهر كما في قولهم: برح الخفاء، وقد ضمنت هنا معنى فارق فنصبت الْأَرْضَ على المفعولية، ولا يجوز أن تكون ناقصة لأن الأرض لا يصح أن تكون خبرا عن المتكلم هنا وليست منصوبة على الظرفية ولا بنزع الخافض وعنى بها أرض مصر أي فلن أفارق أرض مصر جريا على قضية الميثاق حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي في البراح بالانصراف إليه أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي بالخروج منها على وجه لا يؤدي إلى نقض الميثاق أو بخلاص أخي بسبب من الأسباب، قال في البحر: إنه غيا ذلك بغايتين خاصة وهي إذن أبيه وعامة وهي حكم الله تعالى له وكأنه بعد أن غيا بالأولى رجع وفوض الأمر إلى من له الحكم حقيقة جل شأنه، وأراد حكمه سبحانه بما يكون عذرا له ولو الموت، والظاهر أن أحب الغايتين إليه الأولى فلذا قدم لِي فيها وأخره في الثانية فليفهم وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ إذ لا يحكم سبحانه إلا بالحق والعدل.
ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا له يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ الظاهر أن هذا القول من تتمة كلام كبيرهم وقيل:
هو من كلام يوسف عليه السلام وفيه بعد كما أن الظاهر أنهم أرادوا أنه سرق في نفس الأمر. وَما شَهِدْنا عليه إِلَّا بِما عَلِمْنا من سرقته وتبقيناه حيث استخرج صواع الملك من رحله. وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ وما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الميثاق أو ما علمنا أنك ستصاب به كما أصبت بيوسف. وقرأ الضحاك «سارق» باسم الفاعل.
وقرأ ابن عباس وأبو رزين والكسائي في رواية «سرّق» بتشديد الراء مبنيا للمفعول أي نسب إلى السرقة فمعنى وَما شَهِدْنا إلخ وما شهدنا إلا بقدر ما علمنا من التسريق وما كنا للأمر الخفي بحافظين أسرق بالصحة أم دس الصواع في رحله ولم يشعر. واستحسنت هذه القراءة لما فيها من التنزيه كذا قالوا، والظاهر أن القول باستفادة اليقين من استخراج الصواع من رحله مما لا يصح فكيف يوجب اليقين، واحتمال أنه دس فيه من غير شعور قائم جعل مجرد وجود الشيء في يد المدعى عليه بعد إنكاره موجبا للسرق في شرعهم أولا، قيل: فالوجه أن الظن البين قائم مقام العلم، ألا ترى أن الشهادة تجوز بناء على الاستصحاب ويسمى علما كقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ [الممتحنة: ١٠] وإنما جزموا بذلك لبعد الاحتمالات المعارضة عندهم، وإذا جعل الحكم بالسرقة وكذا علمهم أيضا مبنيا على ما شاهدوا من ظاهر الأمر اتحدت القراءتان ويفسر وَما كُنَّا إلخ بما فسّر به على القراءة الأخيرة، وقيل:
معنى ما شَهِدْنا إلخ ما كانت شهادتنا في عمرنا على شيء إلا بما علمنا وليست هذه شهادة منا إنما هي خبر عن صنيع ابنك بزعمهم وَما كُنَّا إلخ كما هو وهو ذهاب أيضا إلى أنهم غير جازمين. وفي الكشف الذي يشهد له الذوق أنهم كانوا جازمين وقولهم: إن يسرق فقد سرق تمهيد بين، وادعاء العلم لا يلزم العلم فإن كان لبعد الاحتمالات المعارضة فلا يكون كذبا محرما وإلا فغايته الكذب في دعوى العلم وليس بأول كذباتهم، وكان قبل أن تنبؤوا ولهذا خونهم الأب في هذه أيضا، على أن قولهم: جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ مؤكدا ذلك التأكيد يدل على أنهم جعلوا الوجدان في الرحل قاطعا وإلا كان عليهم أن يقولوا: جزاؤه من وجد في رحله متعديا أو سارقا ونحوه، فإن يحتمل عنهم الحزم هنالك فلم لا يحتمل هاهنا اه وفيه مخالفة لبعض ما نحن عليه، وكذا لما ذكرناه في تفسير جَزاؤُهُ