للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجه الأول ميل لما ذكره أبو حيان. وتعقب ذلك الطيبي بأن هذه الجملة تعليل لما تقدم وتعريض بإخوته بأنهم لم يخافوا عقابه تعالى ولم يصبروا على طاعته عز وجل وطاعة أبيهم وعن المعصية إذ فعلوا ما فعلوا فيكون المراد بالاتقاء الخوف وبالصبر الصبر على الطاعة وعن المعصية ورد بأن التعريض حاصل في التفسير الآخر فكأنه فسره به لئلا يتكرر مع الصبر وفيه نظر. وقرأ قنبل من «يتق» بإثبات الياء، فقيل: هو مجزوم بحذف الياء التي هي لام الكلمة وهذه ياء إشباع وقيل: جزمه بحذف الحركة المقدرة وقد حكوا ذلك لغة، وقيل: هو مرفوع ومَنَّ موصول وعطف المجزوم عليه على التوهم كأنه توهم أن مَنَّ شرطية ويَتَّقِ مجزوم، وقيل: إن يَصْبِرْ مرفوع كيتقي إلا أنه سكنت الراء لتوالي الحركات وإن كان ذلك في كلمتين كما سكنت في يَأْمُرُكُمْ ويُشْعِرُكُمْ ونحوهما أو للوقف وأجري الوصل مجرى الوقف، والأحسن من هذه الأقوال كما في البحر أن يكون يتقي مجزوما على لغة وإن كانت قليلة، وقول أبي علي: إنه لا يحمل على ذلك لأنه إنما يجيء في الشعر لا يلتفت إليه لأن غيره من رؤساء النحويين حكوه لغة نظما ونثرا قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا أي اختارك وفضلك علينا بالتقوى والصبر، وقيل:

بالملك، وقيل: بالصبر والعلم ورويا عن ابن عباس، وقيل: بالحلم والصفح ذكره سليمان الدمشقي، وقال صاحب الغنيان: بحسن الخلق والخلق والعلم والحلم والإحسان والملك والسلطان والصبر على أذانا والأول أولى.

وَإِنْ أي والحال أن الشأن كُنَّا لَخاطِئِينَ أي لمتعمدين للذنب إذ فعلنا ما فعلنا ولذلك أعزك وأذلنا، فالواو حالية وإِنْ مخففة اسمها ضمير الشأن واللام التي في خبر كان هي المزحلقة و «خاطئين» من خطئ إذا تعمد وأما أخطأ فقصد الصواب ولم يوفق له، وفي قولهم: هذا من الاستنزال لإحسانه عليه السلام والاعتراف بما صدر منهم في حقه مع الإشعار بالتوبة ما لا يخفى ولذلك قالَ لا تَثْرِيبَ أي لا تأنيب ولا لوم عَلَيْكُمُ وأصله من الثرب وهو الشحم الرقيق في الجوف وعلى الكرش، وصيغة التفعيل للسلب أي إزالة الثرب كالتجليد والتقريع بمعنى إزالة الجلد والقرع، واستعير للوم الذي يمزق الأعراض ويذهب بهاء الوجه لأنه بإزالة الشحم يبدو الهزال وما لا يرضى كما أنه باللوم تظهر العيوب فالجامع بينهما طريان النقص بعد الكمال وإزالة ما به الكمال والجمال وهو اسم لا وعَلَيْكُمُ متعلق بمقدر وقع خبرا، وقوله تعالى: الْيَوْمَ متعلق بذلك الخبر المقدر أو بالظرف أي لا تثريب مستقر عليكم اليوم، وليس التقييد به لإفادة وقوع التثريب في غيره فإنه عليه السلام إذا لم يثرب أول لقائه واشتعال ناره فبعده بطريق الأولى. وقال المرتضى: إن الْيَوْمَ موضوع موضع الزمان كله كقوله:

اليوم يرحمنا من كان يغبطنا ... واليوم نتبع من كانوا لنا تبعا

كأنه أريد بعد اليوم، وجوز الزمخشري تعلقه- بتثريب- وتعقبه أبو حيان قائلا: لا يجوز ذلك لأن التثريب مصدر وقد فصل بينه وبين معموله- بعليكم- وهو إما خبر أو صفة ولا يجوز الفصل بينهما بنحو ذلك لأن معمول المصدر من تمامه، وأيضا لو كان متعلقا به لم يجز بناؤه لأنه حينئذ من قبيل المشبه بالمضاف وهو الذي يسمى المطول والممطول فيجب أن يكون معربا منونا، ولو قيل: الخبر محذوف وعَلَيْكُمُ متعلق بمحذوف يدل عليه تثريب وذلك المحذوف هو العامل في الْيَوْمَ والتقدير لا تثريب يثرب عليكم اليوم كما قدروا في لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [هود: ٤٣] أي لا عاصم يعصم اليوم لكان وجها قويا لأن خبر لا إذا علم كثر حذفه عند أهل الحجاز ولم يلفظ به بنو تميم، وكذا منع ذلك أبو البقاء وعلله بلزوم الإعراب والتنوين أيضا، واعترض بأن المصرح به في متون النحو بأن شبيه المضاف سمع فيه عدم التنوين نحو لا طالع جبلا ووقع

في الحديث «لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت»

باتفاق الرواة فيه وإنما الخلاف فيه هل هو مبني أو معرب ترك تنوينه، وفي التصريح نقلا عن المغني أن

<<  <  ج: ص:  >  >>