للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أوحينا إليك. وقرأ أكثر السبعة «يوحي» بالياء وفتح الحاء مبنيا للمفعول، وقراءة النون وهي قراءة حفص وطلحة وأبي عبد الرحمن موافقة لأرسلنا مِنْ أَهْلِ الْقُرى لأن أهلها كما قال ابن زيد وغيره: وهو مما لا شبهة فيه أعلم وأحلم من أهل البادية ولذا يقال: لأهل البادية أهل الجفاء، وذكروا أن التبدي مكروه إلا في الفتن،

وفي الحديث «من بدا جفا»

قال قتادة: ما نعلم أن الله تعالى أرسل رسولا قط إلا من أهل القرى، ونقل عن الحسن أنه قال: لم يبعث رسول من أهل البادية ولا من النساء ولا من الجن، وقوله تعالى: وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ [يوسف: ١٠٠] قد مر الكلام فيه آنفا.

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من المكذبين بالرسل والآيات من قوم نوح وقوم لوط وقوم صالح وسائر من عذبه الله تعالى فيحذروا تكذيبك وروي هذا عن الحسن، وجوز أن يكون المراد عاقبة الذين من قبلهم من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فيقلعوا ويكفوا عن حبها وكأنه لا حظ المجوز ما سيذكر، والاستفهام على ما في البحر للتقريع والتوبيخ وَلَدارُ الْآخِرَةِ من إضافة الصفة إلى الموصوف عند الكوفية أي ولا الدار الآخرة وقدر البصري موصوفا أي ولدار الحال أو الساعة أو الحياة الآخرة وهو المختار عند الكثير في مثل ذلك خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك والمعاصي: أَفَلا تَعْقِلُونَ فتستعملوا عقولكم لتعرفوا خيرية دار الآخرة فتتوسلوا إليها بالاتقاء، قيل: إن هذا من مقول «قل» أي قل لهم مخاطبا أفلا تعقلون فالخطاب على ظاهره، وقوله سبحانه: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلى مِنْ قَبْلِهِمْ أو اتَّقَوْا اعتراض بين مقول القول، واستظهر بعضهم كون هذا التفاتا. وقرأ جماعة يعقلون بالياء رعيا لقوله سبحانه: أَفَلَمْ يَسِيرُوا حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ غاية لمحذوف دل عليه السباق والتقدير عند بعضهم لا يغرنهم تماديهم فيما هم فيه من الدعة والرخاء فإن من قبلهم قد أمهلوا حتى يئس الرسل من النصر عليهم في الدنيا أو من إيمانهم لانهماكهم في الكفر وتماديهم في الطغيان من غير وازع، وقال أبو الفرج بن الجوزي: التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا فدعوا قومهم فكذبوهم وصبروا وطال دعاؤهم وتكذيب قومهم حتى إذا استيأس إلخ، وقال القرطبي: التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ثم لم نعاقب أممهم حتى إذا استيأس إلخ، وقال الزمخشري: التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا فتراخى النصر حتى إذا إلخ، ولعل الأول أولى وإن كان فيه كثرة حذف، والاستفعال بمعنى المجرد كما أشرنا إليه وقد مر الكلام في ذلك وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا بالتخفيف والبناء للمفعول وهي قراءة علي كرم الله تعالى وجهه وأبي وابن مسعود وابن عباس ومجاهد، وطلحة والأعمش، والكوفيين، واختلف في توجيه الآية على ذلك فقيل: الضمائر الثلاثة للرسل والظن بمعنى التوهم لا بمعناه الأصلي ولا بمعناه المجازي أعني اليقين وفاعل كُذِبُوا المقدر إما أنفسهم أو رجاؤهم فإنه يوسف بالصدق والكذب أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون أو كذبهم رجاؤهم النصر، والمعنى أن مدة التكذيب والعداوة من الكفار وانتظار النصر من الله تعالى قد تطاولت وتمادت حتى استشعروا القنوط وتوهموا أن لا نصر لهم في الدنيا جاءَهُمْ نَصْرُنا فجأة وقيل: الضمائر كلها للرسل والظن بمعناه وفاعل كُذِبُوا المقدر من أخبرهم عن الله تعالى وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقد أخرج الطبراني وغيره عن عبد الله بن أبي مليكة قال: إن ابن عباس قرأ قَدْ كُذِبُوا مخففة ثم قال: يقول أخلفوا وكانوا بشرا وتلا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة: ٢١٤] قال ابن أبي مليكة: فذهب ابن عباس إلى أنهم يئسوا وضعفوا فظنوا أنهم قد أخلفوا وروى ذلك عنه البخاري في الصحيح، واستشكل هذا بأن فيه ما لا يليق نسبته إلى الأنبياء عليهم السلام بل إلى صالحي الأمة ولذا نقل عن عائشة رضي الله تعالى عنها ذلك، فقد أخرج البخاري والنسائي وغيرهما من طريق عروة أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها عن هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>