للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأدنى شهوة بعد أن بعتها من ربك بأوفر الثمن قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الآية فبيع ما تقدم بيعه باطل. وإنما باع يوسف أعداؤه وأنت تبيع نفسك من أعدائك وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ قيل: أي لا تنظري إليه نظر الشهوة فإن وجهه مرآة تجلي الحق في العالم، أو لا تنظري إليه بنظر العبودية ولكن انظري إليه بنظر المعرفة لترى فيه أنوار الربوبية أو اجعلي محبته في قلبك لا في نفسك فإن القلب موضع المعرفة والطاعة والنفس موضع الفتنة والشهوة عَسى أَنْ يَنْفَعَنا قيل: أي بأن يعرفنا منازل الصديقين ومراتب الروحانيين ويبلغنا ببركة صحبته إلى مشاهدة رب العالمين، وقيل: أراد حسنى صحبته في الدنيا لعله أن يشفع لنا في العقبى وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها حيث غلب عليها العشق وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ قطعت الأسباب وجمعت الهمة إليه أو غلقت أبواب الدار غيرة أن يرى أحد أسرارهما وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ قال ابن عطاء: هم شهوة وَهَمَّ بِها هم زجر عما همت به بضرب أو نحوه لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ وهو الواعظ الإلهي في قلبه كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والخواطر الرديئة وَالْفَحْشاءَ الأفعال القبيحة، وقيل: البرهان هو أنه لم يشاهد في ذلك الوقت إلا الحق سبحانه وتعالى، وقيل: هو مشاهدة أبيه يعقوب عليه السلام عاضا على سبابته، وجعل ذلك بعض أجلة مشايخنا أحد الأدلة على أن للرابطة المشهورة عند ساداتنا النقشبندية أصلا أصيلا وهو على فرض صحته بمراحل عن ذلك وَاسْتَبَقَا الْبابَ فرارا من محل الخطر: قيل: لو فر إلى الله تعالى لكفاه ولما ناله بعد ما عناه وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً نفت عن نفسها الذنب لأنها علمت إذ ذاك أنها لو بينت الحق لقتلت وحرمت من حلاوة محبة يوسف والنظر إلى وجهه.

لحبك أحببت البقاء لمهجتي ... فلا طال إن أعرضت عني بقائيا

وإنما عرضت بنسبة الذنب إليه لعلمها بأنه عليه السلام لم يبق في البؤس ولا يقدر أحد على أن يؤذيه لما أن وجهه سالب القلوب وجالب الأرواح.

له في طرفه لحظات سحر ... يميت بها ويحيي من يريد

ويسبي العالمين بمقلتيه ... كأن العالمين له عبيد

وقال ابن عطاء: إنها إذ ذاك لم تستغرق في محبته بعد فلذا لم تخبر بالصدق وآثرت نفسها عليه ولهذا لما استغرقت في المحبة آثرت نفسه على نفسها فقالت: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ الآية، ثم إنه عليه السلام لم يسعه بعد تهمتها له إلا الذب عن ساحة النبوة التي هي أمانة الله تعالى العظمى فقال: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وإلا فاللائق بمقام الكرم السكوت عن جوابها لئلا يفضحها، وقيل: إنها لما ادعت محبة يوسف وتبرأت منها عند نزول البلاء أراد يوسف عليه السلام أن يلزمها ملامة المحبة فإن الملامة شعار المحبين ومن لم يكن ملوما في العشق لم يكن متحققا فيه إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ عظم كيدهن لأنهن إذا ابتلين بالحب أظهرن مما يجلب القلب ما يعجز عنه إبليس مع مساعدة الطبيعة إلى الميل إليهن وقوة المناسبة بين الرجال وبينهن كما يشير إليه قوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها [النساء: ١] فما في العالم فتنة أضر على الرجال من النساء قَدْ شَغَفَها حُبًّا قال الجنيد قدس سره: الشغف أن لا يرى المحب جفاء له جفاء بل يراه عدلا منه ووفاء.

وتعذيبكم عذب لدي وجوركم ... علي بما يقضي الهوى لكم عدل

إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قال ابن عطاء: في عشق مزعج فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ عظمنه لما رأين في وجهه نور الهيبة وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ لاستغراقهن في عظمته وجلاله، ولعله كشف لهن ما لم يكشف لزليخا، قال ابن عطاء:

<<  <  ج: ص:  >  >>