للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، وليس من المركب العقلي في شيء على ما توهم. نعم وجه الشبه عقلي اعتباري والاستثناء مفرغ عن أعم عام الأحوال أي لا يستجيب الآلهة لهؤلاء الكفرة الداعين إلا مشبهين أعني الداعين بمن بسط كفيه ولم يقبضهما وأخرجهما كذلك فلم يحصل على شيء لأن الماء يحصل بالقبض لا بالبسط.

وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أن ذلك تشبيه بعطشان على شفير بئر بلا رشاء ولا يبلغ قعر البئر ولا الماء يرتفع إليه،

وهو راجع إلى الوجه الأول وليس مغايرا له كما قيل. وعن أبي عبيدة أن ذلك تشبيه بالقابض على الماء في أنه لا يحصل على شيء، ثم قال: والعرب تضرب المثل في الساعي فيما لا يدركه بذلك، وأنشد قول الشاعر:

فأصبحت فيما كان بيني وبينها ... من الود مثل القابض الماء باليد

وقوله:

وإني وإياكم وشوقا إليكم ... كقابض ماء لم تسعه أنامله

وهو راجع إلى الوجه الثاني خلا أنه لا يظهر من (باسط) معنى قابض فإن بسط الكف ظاهر في نشر الأصابع ممددة كما في قوله:

تعود بسط الكف حتى لو أنه ... أراد انقباضا لم تطعه أنامله

وكيفما كان فالمراد- بباسط- شخص باسط أي شخص كان، وما يقتضيه ظاهر ما روي عن بكير بن معروف من أنه قابيل حيث إنه لما قتل أخاه جعل الله تعالى عذابه أن أخذ بناصيته في البحر ليس بينه وبين الماء إلا أصبع فهو يريده ولا يناله مما لا ينبغي أن يعول عليه. وقرئ «كباسط كفّيه» بالتنوين أي كشخص يبسط كفيه وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ أي في ضياع وخسار وباطل، والمراد بهذا الدعاء إن كان دعاء آلهتهم فظاهر أنه كذلك لكنه فهم من السابق وحينئذ يكون مكررا للتأكيد، وإن كان دعائهم الله تعالى فقد استشكلوا ذلك بأن دعاء الكافر قد يستجاب وهو المصرح به في الفتاوى، واستجابة دعاء إبليس وهو رأس الكفار نص في ذلك. وأجيب بأن المراد دعاؤهم الله تعالى بما يتعلق بالآخرة، وعلى هذا يحمل ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن أصوات الكفار محجوبة عن الله تعالى فلا يسمع دعاءهم، وقيل: يجوز أن يراد دعاؤهم مطلقا ولا يقيد بما أجيبوا به وَلِلَّهِ وحده يَسْجُدُ يخضع وينقاد لا لشيء غيره سبحانه استقلالا ولا اشتراكا، فالقصر ينتظم القلب والأفراد مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الملائكة والثقلين كما يقتضيه ظاهر التعبير بمن، وتخصيص انقياد العقلاء مع كون غيرهم أيضا كذلك لأنهم العمدة وانقيادهم دليل انقياد غيرهم على أن فيما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانا لذلك، وقيل: المراد ما يشمل أولئك وغيرهم، والتعبير بمن للتغليب طَوْعاً وَكَرْهاً نصب على الحال، فإن قلنا بوقوع المصدر حالا من غير تأويل فهو ظاهر وإلا فهو بتأويل طائعين وكارهين أي إنهم خاضعون لعظمته تعالى منقادون لاحداث ما أراد سبحانه فيهم من أحكام التكوين والاعدام شاؤوا أو أبوا من غير مداخلة حكم غيره جل وعلا بل غير حكمه تعالى في شيء من ذلك.

وجوز أن يكون النصب على العلة فالكره بمعنى الإكراه وهو مصدر المبني للمفعول ليتحد الفاعل بناء على اشتراط ذلك في نصب المفعول لأجله وهو عند من لم يشترط على ظاهره، وما قيل عليه من أن اعتبار العلية في الكره غير ظاهر لأنه الذي يقابل الطوع وهو الإباء ولا يعقل كونه علة للسجود فمدفوع بأن العلة ما يحمل على الفعل أو ما يترتب عليه لا ما يكون غرضا له وقد مر عن قرب فتذكره، وقيل: النصب على المفعولية المطلقة أي سجود طوع وكره وَظِلالُهُمْ أي وتنقاد له تعالى ظلال من له ذلك منهم وهم الانس فقط أو ما يعمهم وكل كثيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>