لشبهها بالأدوات الاسمية التي للاستفهام في عدم الأصالة فيه كما في قوله تعالى: أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ [يونس: ٣١] ويجوز أن لا يؤتى بها لأن «أم» متضمنة للاستفهام، وقد جاء الأمران في قوله:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته ... أثر الأحبة يوم البين مشكوم
وقرأ الأخوان. وأبو بكر «أم هل يستوي» بالباء التحتية، ثم إنه تعالى أكد ما اقتضاه الكلام السابق من تخطئة المشركين فقال سبحانه: أَمْ جَعَلُوا أي بل أجعلوا لِلَّهِ جلا وعلا شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ سبحانه وتعالى، والهمزة لانكار الوقوع وليس المنكر هو الجعل لأنه واقع منهم وإنما هو الخلق كخلقه تعالى، والمعنى أنهم لم يجعلوا لله تعالى شركاء خلقوا كخلقه فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ بسبب ذلك وقالوا: هؤلاء خلقوا كخلق الله تعالى واستحقوا بذلك العبادة كما استحقها سبحانه ليكون ذلك منشأ لخطئهم بل إنما جعلوا له شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق، والمقصود بالإنكار والنفي هو والمقيد على ما نص عليه غير واحد من المحققين. وفي الانتصاف أن خَلَقُوا كَخَلْقِهِ في سياق الإنكار جيء به للتهكم فإن غير الله تعالى لا يخلق شيئا ولا مساويا ولا منحطا وقد كان يكفي في الإنكار لولا ذلك أن الآلهة التي اتخذوها لا تخلق.
وتعقبه الطيبي بأن إثبات التهكم تكلف فإنه ذكر الشيء وإرادة نقيضه استحقارا للمخاطب كما في قوله تعالى:
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمران: ٢١، التوبة: ٣٤، الانشقاق: ٢٤] ، وهاهنا كَخَلْقِهِ جيء به مبالغة في إثبات العجز لآلهتهم على سبيل الاستدراج وإرخاء العنان، فإنه تعالى لما أنكر عليهم أولا اتخاذهم من دونه شركاء ووصفها بأنها لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا فكيف تملك ذلك لغيرها أنكر عليهم ثانيا على سبيل التدرج وصف الخلق أيضا، يعني هب أن أولئك الشركاء قادرون على نفع أنفسهم وعلى نفع عبدتهم فهل يقدرون على أن يخلقوا شيئا، وهب أنهم قادرون على خلق بعض الأشياء فهل يقدرون على ما يقدر عليه الخالق من خلق السموات والأرض اه. والحق أن الآية ناعية عليهم متهكمة بهم فإن من لا يملك لنفسه شيئا من النفع والضر أبعد من أن يفيدهم ذلك، وكيف يتوهم فيه أنه خالق وأن يشتبه على ذي عقل فينبه على نفيه، وهذا المقدار يكفي في الغرض فافهم قُلْ تحقيقا للحق وإرشاد لهم اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ من الجواهر والاعراض، ويلزم هذا أن لا خالق سواه لئلا يلزم التوارد وهو المقصود ليدل على المراد وهو نفي استحقاق غيره تعالى للعبادة والألوهية أي لا خالق سواه فيشاركه في ذلك الاستحقاق.
وبعموم الآية استدل أهل السنة على أن أفعال العباد مخلوقة له تعالى، والمعتزلة تزعم التخصيص بغير أفعالهم.
ومن الناس من يحتج أيضا لما ذهب إليه أهل الحق بالآية الأولى وهو كما ترى وَهُوَ الْواحِدُ المتوحد بالألوهية المنفرد بالربوبية الْقَهَّارُ الغالب على كل ما سواه ومن جملة ذلك آلهتهم فكيف يكون المغلوب شريكا له تعالى، وهذا على ما قيل كالنتيجة لما قبله، وهو يحتمل أن يكون من مقول القول وأن يكون جملة مستأنفة.
أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ أي من جهتها على ما هو المشاهد، وقيل: منها نفسها ولا تجوز في الكلام. واستدل له بآثار الله تعالى أعلم بصحتها، وقيل: أنزل منها نفسها ماءً أي كثيرا أو نوعا منه وهو ماء المطر باعتبار أن مباديه منها وذلك لتأثير الأجرام الفلكية في تصاعد البخار فيتجوز من مِنَ فَسالَتْ بذلك أَوْدِيَةٌ دافعة في مواقعه لا جميع الأودية إذ الأمطار لا تستوعب الأقطار وهو جمع واد.
قال أبو علي الفارسي: ولا يعلم أن فاعلا جمع على أفعلة، ويشبه أن يكون ذلك لتعاقب فاعل وفعيل على الشيء الواحد كعالم وعليم وشاهد وشهيد وناصر ونصير. ثم إن وزن فاعل يجمع على أفعال كصاحب وأصحاب وطائر