للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإرسال العظيم الشأن المصحوب بالمعجزة الباهرة، ويجوز أن يراد مثل إرسال الرسل قبلك أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ فيكون قد شبه إرساله صلى الله عليه وسلم بإرسال من قبله وإن لم يجر لهم ذكر لدلالة قوله تعالى: قَدْ خَلَتْ أي مضت مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ كثيرة قد أرسل إليهم رسل عليهم وروي هذا عن الحسن، وقيل: الكاف متعلقة بالمعنى الذي في قوله تعالى: قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ إلخ أي كما أنفذنا ذلك أرسلناك ونقل نحوه عن الحوفي وقال ابن عطية: الذي يظهر أن المعنى كما أجرينا العادة في الأمم السابقة بأن نضل ونهدي بوحي لا بالآيات المقترحة كذلك أيضا فعلنا في هذه الأمة وأرسلناك إليهم بوحي لا بالآيات المقترحة فنضل من نشاء ونهدي من أناب، وقال أبو البقاء: التقدير الأمر كذلك، والحسن ما قدمناه وما روي عن الحسن. وفِي بمعنى إلى كما في قوله تعالى: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ [إبراهيم: ٩] وقيل: هي على ظاهرها، وفيها إشارة إلى أنه من جملتهم وناشئ بينهم ولا تكون بمعنى إلى إذ لا حاجة لبيان من أرسل إليهم وفيه نظر ظاهر، وهي متعلقة بالفعل المذكور، وقول الزمخشري: في تفسير الآية يعني أرسلنا إرسالا له شأن وفضل على الإرسالات ثم فسر كيف أرسله بقوله: فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ أي أرسلناك في أمة قد تقدمها أمم كثيرة فهي آخر الأمم وأنت خاتم الأنبياء لم يرد به أنها لا تتعلق بالمذكور بل أراد أن المشار إليه المبهم لما كان ما بعده تفخيما كان بيانه بصلة ذلك الفعل حتى يزول الإبهام، ويجوز أن يريد ذلك فيقدر أرسلناك ثانيا ويكون قوله: أي أرسلناك في أمة إظهارا للمحذوف أيضا لا بيانا لحاصل الآية وهو الذي آثره العلامة الطيبي، والتعلق بالمذكور هو الظاهر، وجملة قَدْ خَلَتْ إلخ في موضع الصفة- لأمة- وفائدة الوصف بذلك قيل:

ما أشار إليه الزمخشري.

واعترض بأنه لا يلزم من تقدم أمم كثيرة قبل أن لا يكون أمة يرسل إليها بعد حتى يلزم أن يكون صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء عليهم السلام، وبحث فيه الشهاب بأن المراد بكون إرساله عليه الصلاة والسلام عجيبا أن رسالته أعظم من كل رسالة فهي جامعة لكل ما يحتاج إليه فيلزم أن لا نسخ إذ النسخ إنما يكون للتكميل والكامل أتم كمال غير محتاج لتكميل كما قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: ٣] اه ولعمري أن الاعتراض قوي والبحث في غاية الضعف إذ لا يلزم من كون إرساله صلى الله عليه وسلم عجيبا ما ادعاه، ولو سلمنا ذلك لا يلزم منه أيضا كونه عليه الصلاة والسلام خاتما إذ بعثه مقرر دينه الكامل كما بعث كثير من أنبياء بني إسرائيل لتقرير دين موسى عليه السلام لا يأبى ما ذكر من جامعية رسالته عليه الصلاة والسلام ولزوم عدم النسخ لذلك كما لا يخفى، ولعله لهذا اختار بعضهم ما روي عن الحسن وقال: منبها على فائدة الوصف يعني مثل إرسال الرسل قبلك أرسلناك إلى أمم تقدمتها أمم أرسلوا إليهم فليس ببدع إرسالك إليها لِتَتْلُوَا لتقرأ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي الكتاب العظيم الشأن، ويشعر بهذا الوصف ذكر الموصول غير جار على موصوف، وإسناد الفعل في صلته إلى ضمير العظمة وكذا الإيصال إلى المخاطب المعظم بدليل سابقه على ما سمعت أولا، وتقديم المجرور على المنصوب من قبيل الإبهام ثم البيان كما في قوله تعالى:

وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ [الشرح: ٢] وفيه ما لا يخفى من ترقب النفس إلى ما سيرد وحسن قبولها له عند وروده عليها، وضمير الجمع للأمة باعتبار معناها كما روعي في ضمير خَلَتْ لفظها.

وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ أي بالبليغ الرحمة الذي أحاطت بهم نعمته ووسعت كل شيء رحمته فلم يشكروا نعمه سبحانه لا سيما ما أنعم به عليهم بإرسالك إليهم وإنزال القرآن الذي هو مدار المنافع الدينية والدنيوية عليهم بل قابلوا رحمته ونعمه بالكفر ومقتضى العقل عكس ذلك، وكان الظاهر- بنا- إلا أنه التفت إلى الظاهر وأوثر هذا الاسم الدال على المبالغة في الرحمة للإشارة إلى أن الإرسال ناشئ منها كما قال سبحانه: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>