والتابعون واللغويون، وقيل: وجه الحصر أنه لا يعتد بمكر غيره سبحانه لأنه سبحانه هو القادر بالذات على إصابة المكروه المقصود منه وغيره تعالى إن قدر على ذلك فبتمكينه تعالى وإذنه فالكل راجع إليه جل وعلا. وفي الكشاف أن قوله تعالى: يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلخ تفسير لقوله سبحانه: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً لأن من علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها فهو له المكر لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون وهم في غفلة مما يراد بهم، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي فلله جزاء المكر. وجوز في أل أن تكون للعهد أي له تعالى المكر الذي باشروه جميعا لا لهم، على معنى أن ذلك ليس مكرا منهم بالأنبياء بل هو بعينه مكر من الله تعالى بهم وهم لا يشعرون حيت لا يحيق المكر السيء إلا بأهله وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ حين يأتيهم العذاب لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ أي العاقبة الحميدة من الفريقين وان جهل ذلك قبل، وقيل: السين لتأكيد وقوع ذلك وعلمه به حينئذ، والمراد من الكافر الجنس فيشمل سائر الكفار، وهذه قراءة الحرميين. وأبي عمرو، وقرأ باقي السبعة «وسيعلم الكفار» بصيغة جمع التكسير.
وقرأ ابن مسعود «الكافرون» بصيغة جمع السلامة، وقرأ أبي «الذين كفروا» وقرأ «الكفر» أي أهله، وقرأ جناح بن حبيس «وسيعلم» بالبناء للمفعول من أعلم أي سيخبر واللام للنفع، وجوز أن تكون للملك على معنى سيعلم الكفرة من يملك الدنيا آخرا، وفسر عطاء «الكافر» بالمستهزئين وهم خمسة والمقسمين وهم ثمانية وعشرون، وقال ابن عباس:
يريد بالكافر أبا جهل، وما تقدم هو الظاهر، ولعل ما ذكر من باب التمثيل وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قيل:
قاله رؤساء اليهود.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال:«قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقف من اليمن فقال له عليه الصلاة والسلام: هل تجدني في الإنجيل رسولا؟ قال: لا. فأنزل الله تعالى الآية،
فالمراد من الذين كفروا على هذا هذا ومن وافقه ورضي بقوله، وصيغة الاستقبال لاستحضار صورة كلمتهم الشنعاء تعجيبا منها أو للدلالة على تجدد ذلك منهم واستمراره قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فإنه جل وعلا قد أظهر على رسالتي من الأدلة والحجج ما فيه غنى عن شهادة شاهد آخر، وتسمية ذلك شهادة مع أنه فعل وهي قول مجاز من حيث إنه يغني غناها بل هو أقوى منها وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ أي علم القرآن وما عليه من النظم المعجز، قيل: والشهادة إن أريد بها تحملها فالأمر ظاهر وإن أريد أداؤها فالمراد بالموصول المتصف بهذا العنوان من ترك العناد وآمن.
وفي الكشف أن المعنى كفى هذا العالم شهيدا بيني وبينكم، ولا يلزم من كفايته في الشهادة أن يؤديها فمن أداها فهو شاهد أمين ومن لم يؤدها فهو خائن، وفيه تعريض بليغ بأنهم لو أنصفوا شهدوا، وقيل: المراد «بالكتاب» التوراة والإنجيل، والمراد بمن عنده علم ذلك الذين أسلموا من أهل الكتابين كعبد الله بن سلام وأضرابه فإنهم يشهدون بنعته عليه الصلاة والسلام في كتابهم وإلى هذا ذهب قتادة، فقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عنه أنه قال في الآية: كان من أهل الكتاب قوم يشهدون بالحق ويعرفونه منهم عبد الله بن سلام والجاورد وتميم الداري، وسلمان الفارسي، وجاء عن مجاهد وغيره وهي رواية عن ابن عباس أن المراد بذلك عبد الله ولم يذكروا غيره.
وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الملك بن عمير عن جندب قال: جاء عبد الله بن سلام حتى أخذ بعضادتي باب المسجد ثم قال: أنشدكم بالله تعالى أتعلمون أني الذي أنزلت فيه وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ؟ قالوا: اللهم نعم.
وأنكر ابن جبير ذلك، فقد أخرج سعيد بن منصور وجماعة عنه أنه سئل أهذا الذي عنده علم الكتاب هو عبد الله بن سلام؟ فقال: كيف وهذه السورة مكية. والشعبي أنكر أن يكون شيء من القرآن نزل فيه وهذا لا يعول عليه فمن حفظ حجة على من لم يحفظ، وأجيب عن شبهة ابن جبير بأنهم قد يقولون: إن السورة مكية وبعض آياتها مدنية فلتكن هذه من ذلك، وأنت تعلم أنه لا بد لهذا من نقل.