للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمنصوبان خبران للفعل الناقص، ويجوز أن يكون خاسِئِينَ حالا من الاسم، ويجوز أن يكون صفة ل قِرَدَةً والمراد وصفهم بالصغار عند الله تعالى دفعا لتوهم أن يجعل مسخهم وتعجيل عذابهم في الدنيا لدفع ذنوبهم ورفع درجاتهم.

واعترض أنه لو كان صفة لها لوجب أن يقول: خاسئة لامتناع الجمع- بالواو- والنون في غير ذوي العلم، وأجيب بأن ذلك على تشبيههم بالعقلاء كما في السَّاجِدِينَ أو باعتبار أنهم كانوا عقلاء، أو بأن المسخ إنما كان بتبدل الصورة فقط، وحقيقتهم سالمة على ما روي أن الواحد منهم كان يأتيه الشخص من أقاربه الذين نهوهم، فيقول له: ألم أنهك؟ فيقول: بلى ثم تسيل دموعه على خده- ولم يتعرض في الآية بمسخ شيء منهم خنازير- وروي عن قتادة أن الشباب صاروا قِرَدَةً والشيوخ صاروا- خنازير- وما نجا إلا الذين نهوا، وهلك سائرهم، وقرىء قِرَدَةً بفتح القاف وكسر الراء وخاسِئِينَ بغير همز فَجَعَلْناها نَكالًا أي كينونتهم وصيرورتهم قِرَدَةً أو المسخة، أو العقوبة، أو الآية المدلول عليها بقوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ وقيل: الضمير للقرية، وقيل: للحيتان- والنكال- واحد- الأنكال- وهي القيود- ونكل به- فعل به ما يعتبر به غيره، فيمتنع عن مثله لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها أي لمعاصريهم ومن خلفهم- وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وغيره- وروي عنه أيضا لِما بحضرتها من القرى- أي أهلها وما تباعد عنها- أو للآتين والماضين- وهو المختار عند جماعة- فكل من ظرفي المكان مستعار للزمان، و (ما) أقيمت مقام- من- إما تحقيرا لهم في مقام العظمة والكبرياء- أو لاعتبار الوصف- فإن ما يعبر بها عن العقلاء تعظيما- إذا أريد الوصف- كقوله: «سبحان ما سخر كن» وصحح كونها نَكالًا للماضين أنها ذكرت في زبر الأولين- فاعتبروا بها- وصحت- الفاء- لأن جعل ذلك نَكالًا للفريقين إنما يتحقق بعد القول والمسخ، أو لأن- الفاء- إنما تدل على ترتب جعل العقوبة نَكالًا على القول وتسببه عنه- سواء كان على نفسه أو على الإخبار به- فلا ينافي حصول الاعتبار قبل وقوع هذه الواقعة بسبب سماع هذه القصة، وقيل:- اللام- لام الأجل و (ما) على حقيقتها- والنكال- بمعنى العقوبة لا- العبرة- والمراد بما بَيْنَ يَدَيْها ما تقدم من سائر الذنوب قبل أخذ السمك، وب ما خَلْفَها ما بعدها، والقول بأن المراد جعلنا المسخ عقوبة لأجل ذنوبهم المتقدمة على المسخة والمتأخرة عنها يستدعي بقاءهم مكلفين بعد المسخ ولا يظهر ذلك إلا على قول مجاهد، وحمل الذنوب التي بعد المسخة- على السيئات الباقية آثارها- ليس بشيء كما لا يخفى، وقول أبي العالية- إن المراد ب لِما بَيْنَ يَدَيْها ما مضى من الذنوب، وب ما خَلْفَها من يأتي بعد، والمعنى فجعلناها عقوبة لما مضى من ذنوبهم، وعبرة لمن بعدهم- منحط من القول جدا لمزيد ما فيه من تفكيك النظم والتكلف وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ الموعظة ما يذكر مما يلين القلب- ثوابا كان أو عقابا- والمراد بالمتقين ما يعم كل متق من كل أمة- وإليه ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما- وقيل: من أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وقيل: منهم، ويحتمل أنهم اتعظوا بذلك وخافوا عن ارتكاب خلاف ما أمروا به، ويحتمل أنهم وعظ بعضهم بعضا بهذه الواقعة، وحظ العارف من هذه القصة أن يعرف أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس لعبادته وجعلهم بحيث لو أهملوا وتركوا وخلوا بينهم وبين طباعهم لتوغلوا وانهمكوا في اللذات الجسمانية والغواشي الظلمانية لضروراتهم لها واعتيادهم من الطفولية عليها

والنفس كالطفل إن تهمله شب على ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فوضع الله تعالى العبادات، وفرض عليهم تكرارها في الأوقات المعينة ليزول عنهم بها درن الطباع المتراكم في أوقات الغفلات وظلمة الشواغل العارضة في أزمنة ارتكاب الشهوات، وجعل يوما من أيام الأسبوع مخصوصا للاجتماع

<<  <  ج: ص:  >  >>