المقام. وأخرج ابن أبي شيبة. وابن المنذر عن ابن جبير أنه قال: أي تمور في أجوافهم إلى حلوقهم ليس لها مكان تستقر فيه، والجملة في موضع الحال أيضا والعامل فيها إما يَرْتَدُّ أو ما قبله من العوامل الصالحة للعمل. وجوز أن تكون جملة مستقلة، وإلى الأول ذهب أبو البقاء وفسر هَواءٌ بفارغة، وذكر أنه إنما أفرد مع كونه خبرا لجمع لأنه بمعنى فارغة وهو يكون خبرا عن جمع كما يقال: أفئدة فارغة لأن تاء التأنيث فيه يدل على تأنيث الجمع الذي في أفئدتهم، ومثل ذلك أحوال صعبة وأفعال فاسدة، وقال مولانا الشهاب: الهواء مصدر ولذا أفرد، وتفسيره باسم الفاعل كالخالي بيان للمعنى المراد منه المصحح لحمل فلا ينافي المبالغة في جعل ذلك عين الخلاء، والمتبادر من كلام غير واحد أن الهواء ليس بمعنى الخلاء بل بالمعنى الذي يهب على الذهن من غير إعمال مروحة الفكر، ففي البحر بعد سرد أقوال لا يقضي ظاهرها بالمصدرية أن الكلام تشبيه محض لأن الأفئدة ليست بهواء حقيقة. ويحتمل أن يكون التشبيه في فراغها من الرجاء والطمع في الرحمة. وأن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في الصدور وأنها تجيء وتذهب وتبلغ الحناجر. وهذا في معنى ما روي آنفا عن ابن جبير. وذكر في إرشاد العقل السليم ما هو ظاهر في أن الكلام على التشبيه أيضا حيث قال بعد تفسير ذلك بما ذكرنا أولا: كأنها نفس الهواء الخالي عن كل شاغل هذا ثم إنهم اختلفوا في وقت حدوث تلك الأحوال فقيل عند المحاسبة بدليل ذكرها عقيب قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ وقيل: عند إجابة الداعي والقيام من القبور. وقيل عند ذهاب السعداء إلى الجنة والأشقياء إلى النار فتذكر ولا تغفل وَأَنْذِرِ النَّاسَ خطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم بعد إعلامه أن تأخير عذابهم لماذا وأمر له بإنذارهم وتخويفهم منه فالمراد بالناس الكفار المعبر عنهم بالظالمين كما يقتضيه ظاهر إتيان العذاب وإلى ذلك ذهب أبو حيان وغيره.
ونكتة العدول إليه من الإضمار على ما قاله شيخ الإسلام الإشعار بأن المراد بالإنذار هو الزجر عما هم عليه من الظلم شفقة عليهم لا التخويف للإزعاج والإيذاء فالمناسب عدم ذكرهم بعنوان الظلم، وقال الجبائي: وأبو مسلم:
المراد بالناس ما يشمل أولئك الظالمين وغيرهم من المكلفين، والإنذار كما يكون للكفار يكون لغيرهم كما في قوله تعالى: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ [يس: ١١] والإتيان يعم الفريقين من كونهما في الموقف وإن كان لحوقه بالكفار خاصة، وأيا ما كان- فالناس- مفعول أول- لأنذر- وقوله سبحانه: يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ مفعوله الثاني على معنى أنذرهم هوله وما فيه. فالإيقاع عليه مجازي أو هو بتقدير مضاف، ولا يجوز أن يكون ظرفا للإنذار لأنه في الدنيا، والمراد بهذا اليوم اليوم المعهود وهو اليوم الذي وصف بما يذهب الألباب وهو يوم القيامة، وقيل: هو يوم موتهم معذبين بالسكرات ولقاء الملائكة عليهم السلام بلا بشرى. وروي ذلك عن أبي مسلم، أو يوم هلاكهم بالعذاب العاجل، وتعقب بأنه يأباه القصر السابق، وأجيب بما فيه ما فيه. فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي فيقولون، والعدول عنه إلى ما في النظم الجليل للتسجيل عليهم بالظلم والإشعار بعليته لما ينالهم من الشدة المنبئ عنها القول وفي العدول عن الظالمين المتكفل بما ذكر مع اختصاره وسبق الوصف به للإيذان على ما قيل بأن الظلم في الجملة كاف في الإفضاء إلى ما أفضوا إليه من غير حاجة إلى الاستمرار عليه كما ينبئ عنه صيغة اسم الفاعل، والمعنى- على ما قال الجبائي وأبو مسلم- الذين ظلموا منهم وهم الكفار، وقيل: يقول كل من ظلم بالشرك والتكذيب من المنذرين وغيرهم من الأمم الخالية: رَبَّنا أَخِّرْنا أي عن العذاب أو أخر عذابنا، ففي الكلام تقدير مضاف أو تجوز في النسبة، قال الضحاك. ومجاهد: إنهم طلبوا الرد إلى الدنيا والإمهال إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ أي أمد وحدّ من الزمان قريب، وقيل:
إنهم طلبوا رفع العذاب والرجوع إلى حال التكليف مدة يسيرة يعملون فيها ما يرضيه سبحانه.
والمعنى على ما روي عن أبي مسلم أخر آجالنا وابقنا أياما نُجِبْ دَعْوَتَكَ أي الدعوة إليك وإلى توحيدك