عليه السلام دعاء للعاصي بستر ظلمته بنوره تعالى ورحمته جل شأنه إياه بافاضة الكمال عليه بعد المغفرة.
ومن كلام نبينا صلى الله عليه وسلم «اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون» .
وفي أسرار التأويل أنه عليه السلام أشار بقوله: وَمَنْ عَصانِي إلى مقام الجمع ولذا لم يقل: «ومن عصاك» ويجوز أن يقال: إنما أضاف عصيانهم إلى نفسه لأن عصيان الخلق للخالق غير ممكن، وما من دابة إلا وربي آخذ بناصيتها فهم في كل أحوالهم مجيبون لداعي ألسنة مشيئته سبحانه وإرادته القديمة، وسئل عبد العزيز المكي لم لم يقل الخليل ومن عصاك؟ فقال لأنه عظم ربه عزّ وجلّ وأجله من أن يثبت أن أحدا يجترئ على معصيته سبحانه وكذا أجله سبحانه من أن يبلغ أحد ما مبلغ ما يليق بشأنه عز شأنه من طاعته حيث قال فَمَنْ تَبِعَنِي رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ قيل: إن من عادة الله تعالى أن يبتلي خليله بالعظائم لينزعه عن نفسه وعن جميع الخليقة لئلا يبقى بينه وبينه حجاب من الحدثان، فلذا أمر جل شأنه هذا الخليل أن يسكن من ذريته في وادي الحرم بلا ماء ولا زاد لينقطع إليه ولا يعتمد إلا عليه عزّ وجلّ، وناداه باسم الرب طمعا في تربية عياله وأهله بألطافه وإيوائهم إلى جوار كرامته رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ التي يصل العبد بها إليك ويكون مرآة تجليك فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ تميل يوصف الإرادة والمحبة ليسلكوهم إليك ويدلوهم عليك، قال ابن عطاء من انقطع عن الخلق بالكلية صرف الله تعالى إليه وجوه الخلق وجعل مودته في صدورهم ومحبته في قلوبهم، وذلك من دعاء الخليل عليه السلام لما قطع أهله عن الخلق والأسباب قل: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ قيل: أي ثمرات طاعتك وهي المقامات الرفيعة والدرجات الشريفة.
وقال الواسطي: ثمرات القلوب وهي أنواع الحكمة ورئيس الحكمة رؤية المنة والعجز عن الشكر على النعمة وهو الشكر الحقيقي ولذلك قال: لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ أي يعلمون أنه لا يتهيأ لأحد أن يقوم بشكرك وثمرة الحكمة تزيل الأمراض عن القلوب كما أن ثمرة الأشجار تزيل أمراض النفوس. وقيل: أي ارزقهم الأولاد الأنبياء والصلحاء، وفيه إشارة إلى دعوته بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم المعنى له بقوله: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا وأي الثمرات أشهى من أصفى الأصفياء وأتقى الأتقياء وأفضل أهل الأرض والسماء وحبيب ذي العظمة والكبرياء فهو عليه الصلاة والسلام ثمرة الشجرة الإبراهيمية وزهرة رياض الدعوة الخليلية بل هو صلى الله عليه وسلم ثمرة شجرة الوجود. ونور حديقة الكرم والجود.
ونور حدقة كل موجود صلى الله عليه وسلم عليه إلى اليوم المشهود رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ قال الخواص: ما نخفي من حبك وما نعلن من شكرك.
وقال ابن عطاء: ما نخفي من الأحوال وما نعلن من الآداب، وقيل: ما نخفي من التضرع في عبوديتك وما نعلن من ظاهر طاعتك في شريعتك، وأيضا ما نخفي من أسرار معرفتك وما نعلن من وظائف عبادتك، وأيضا ما نخفي من حقائق الشوق إليك في قلوبنا وما نعلن في غلبة مواجيدنا بإجراء العبرات وتصعيد الزفرات: