ليمكن مخالفته، أو مرتفع بالظرف والجملة كما هي حال أيضا أي ما أهلكنا قرية من القرى في حال من الأحوال إلا وقد كان لها في حق إهلاكها أجل مقدر لا يغفل عنه.
وقال الزمخشري الجملة صفة- لقرية- والقياس أن لا يتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ [الشعراء: ٢٠٨] وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال: جاءني زيد عليه ثوب وجاءني وعليه ثوب، ووافقه على ذلك أبو البقاء، وتعقبه في البحر بأنا لا نعلم أحدا قاله من النحاة، وهو مبني على أن ما بعد ألا يجوز أن يكون صفة، وقد صرح الأخفش. والفارسي بمنع ذلك، وقال ابن مالك: أن جعل ما بعد إلا صفة لما قبلها مذهب لم يعرف لبصري ولا كوفي فلا يلتفت إليه وأبطل القول بأن الواو توسطت لتأكيد اللصوق.
ونقل عن منذر بن سعيد أن هذه الواو هي التي تعطي أن الحالة التي بعدها في اللفظ هي في الزمن قبل الحالة التي قبل الواو، ومنه قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها [الزمر: ٧١، ٧٣] واعتذر السكاكي بأن ذلك سهو ولا عيب فيه، ولم يرض بذلك صاحب الكشف وانتصر للزمخشري فقال: قد تكرر هذا المعنى منهم في هذا الكتاب فلا سهو كما اعتذر صاحب المفتاح، وإذا ثبت اقحام الواو كما عليه الكوفيون والقياس لا يدفعه لثبوته في الحال وفيما أضمر بعده الجار في نحو بعت الشاء شاة ودرهما وكم وكم، وهذه تدل على أن الاستعارة شائعة في الواو نوعية بل جنسية فلا نعتبر النقل الخصوصي ولا يكون من إثبات اللغة بالقياس لثبوت النقل عن نحارير الكوفة واعتضاده بالقياس، والمعنى ولا يبعد من صاحب المعاني ترجيح المذهب الكوفي إذا اقتضاه المقام كما رجحوا المذهب التميم على الحجازي (١) في باب الاستثناء عنده، ولا خفاء أن المعنى على الوصف أبلغ وأن هذا الوصف ألصق بالموصوف منه في قوله تعالى: إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ [الشعراء: ٢٠٨] لأنه لازم عقلي وذلك عادي جرى عليه سنة الله تعالى اه. وفي الدر المصون أنه قد سبق الزمخشري إلى ما قاله ابن جني وناهيك به من مقتدى.
قال بعض المحققين: إن الموصوف ليس القرية المذكورة وإنما هو قرية مقدرة وقعت بدلا من المذكورة على المختار فيكون ذلك بمنزلة كون الصفة لها أي ما أهلكنا قرية من القرى إلا قرية لها كتاب معلوم كما في قوله تعالى:
[الغاشية: ٦، ٧] فإن لا يُسْمِنُ إلخ صفة لكن لا للطعام المذكور لأنه إنما يدل على انحصار طعامهم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع في الضريع، وليس المراد ذلك بل للطعام المقدر بعد إِلَّا أي ليس لهم طعام من شيء من الأشياء إلا طعام لا يسمن إلخ فليس هناك الفصل بين الموصوف والصفة بإلا، وأما توسيط الواو وإن كان القياس عدمه فللإيذان بكمال الاتصال انتهى. ولا يخفى أنه لم يأت في أمر التوسيط بما يدفع عنه القال والقيل، وما ذكره من تقدير الموصوف بعد- إلا- يدفع حديث الفصل لكن نقل أبو حيان عن الأخفش أنه قال بعد منع الفصل بين الصفة والموصوف بالا: ونحو ما جاءني رجل إلا راكب تقديره إلا رجل راكب، وفيه قبح لجعلك الصفة كالاسم، ولعل الجواب عن هذا سهل. وقرأ ابن أبي عبلة إِلَّا لَها بإسقاط الواو، وهو على ما قيل يؤيد القول بزيادتها، ولما بين سبحانه أن الأمم المهلكة كان لكل منهم ومن غيرهم لهم كتاب لا يمكن التقدم عليه ولا التأخر عنه فقال عز قائلا: ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ من الأمم المهلكة وغيرهم- فمن- مزيدة
(١) وذلك أن بني تميم يجوزون الرفع في الاستثناء المنقطع وقد قال تعالى قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ والمعنى الصحيح فيه على الانقطاع وعلى الاتصال يحتاج إلى تكلف لصحة المعنى فافهم اه منه.